كون البشر رسلاً لله عَزَّ وَجَلَّ كيف يقولون: الجمادات بنات الله حقيقة؟ ولو كانوا يقولون ذلك لما بقي محلٌّ لتوبيخهم بقوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} فإنَّ قومًا يقولون: الجمادات بنات الله حقيقة لا يَحسُن أن ينكر عليهم جعلهم الإناث لله عزَّ وجلَّّ، على أنَّ الأنثوية في الجمادات ليست حقيقة.

فإن قيل: لعلَّ المراد بالأنثى الجماد كما قيل بذلك في قوله تعالى: {إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا إِنَاثًا} [النساء: 117]. قلت: يكفي في دفع ذلك أنه خلاف الظاهر مع أنه قوبل بالذَّكَر، وقوله: {إِلَّا إِنَاثًا} على حقيقته، وقد مرَّ أنَّ المراد الإناثُ الخياليَّات.

[313] وقد علمتَ من المقدمة الثانية أنَّ القوم لم يكونوا يعبدون الجمادات إلاَّ على أنها تذكارات للملائكة، وبالجملة فبطلان هذا الاحتمال - أعني احتمال أنهم كانوا يقولون في الجمادات إنها بنات الله حقيقة - أوضح من أن يحتاج إلى إطالة الكلام في تزييفه.

بقي أن يقال: أرادوا بنات الله تعالى على المجاز أي أنها مقبولة عنده، أو على حذف مضاف كأنهم أرادوا: اللات والعزَّى ومناة تذكارات بناته اللَّاتي هن الملائكة. ويردُّه أنه لا يكون حينئذ موضع لقوله: {أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (21) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى} لأنهم لم يجعلوها بنات الله حقيقة، ولا هي إناث حقيقة. وقد حكى الله تعالى عن اليهود قولهم: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] ولم يوبِّخهم على قولهم: أبناء الله لأنهم إنما قالوها مجازًا، وإن كان هذا الإطلاق اللَّفظيُّ ممنوعًا سدًّا للذريعة، وها نحن نقول:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015