بناها أنوشروان كسرى الخير، وهي أحد الثغور العظيمة لأنها كثيرة الأعداء من الذين حفوا بها من أمم شتى، وإلى جانب المدينة جبل أرعن يعرف بالذنب، يجمع على قلته كل سنة حطب كثيرة ليشعلوا فيه النار، إذا احتاجوا إلى إنذار أهل اران وآذربيجان وأرمينية بمجيء العدو. وكانت الأكاسرة شديدة الاهتمام بهذا المكان لعظم خطره وشدة خوفه.

وحكى أبو العباس الطوسي أن الخزر كانت تعبر على ملك فارس حتى وصلوا إلى همذان والموصل. فلما ملك أنوشروان بعث إلى ملك الخزر، وخطب إليه ابنته على أني زوجه ابنته ويتفرغا لأعدائهما. فأجابه إلى ذلك، فعمد أنوشروان إلى جارية من جواريه نفيسة فوجه بها إلى ملك الخزر على أنها ابنته، وحمل معها ما يحمل مع بنات الملوك. وأهدى خاقان ملك الخزر إلى أنوشروان ابنته، فلما وصلت إليه كتب إلى خاقان: لو التقينا أوجبنا المودة بيننا! فأجابه إلى ذلك فالتقيا وأقاما أياماً. وأنوشروان أمر قائداً من قواده يختار ثلاثمائة رجل من أشداء أصحابه، فإذا هدأت العيون أغار على عسكر الخزر يحرق ويعقر ويرجع إلى مكانه، ففعل.

فلما أصبح بعث خاقان إلى أنوشروان أن أتيت عسكري البارحة. فبعث إليه أنوشروان انه لم يأت من قبلنا فابحث وانظر. ففعل ولم يقف على شيء ثم أمهله أياماً وعاد لمثلها حتى فعل ثلاث مرات، وفي كلها يعتذر، فدعا خاقان قائداً من قواده وأمره بمثل ما أمر به أنوشروان. فلما فعل أرسل أنوشروان: ما هذا؟ استبيح عسكري الليلة! فأرسل إليه خاقان يقول: ما أسرع ما ضجرت! فقد عمل مثل هذا بعسكري ثلاث مرات، وإنما فعل بك مرة واحدة. فبعث إليه أنوشروان يقول: إن هذا عمل قوم يريدون إفساد ما بيننا! وعندي رأي ان قبلته وهو أن تدعني أبني بيني وبينك حائطاً وأجعل عليه أبواباً، فلا يدخل بلادك إلا من تريد، ولا يدخل بلادي إلا من أريد. فأجابه إلى ذلك، وانصرف خاقان إلى مملكته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015