بلدة عظيمة ومملكة عريضة في بلاد النصارى، بردها شديد جداً وهواؤها غليظ لفرط البرد. وإنها كثيرة الخيرات والفواكه والغلات، غزيرة الأنهار كثيرة الثمار، ذات زرع وضرع وشجر وعسل، صيودها كثيرة الانواع. بها معادن الفضة، وتضرب بها سيوف قطاعة جداً، وسيوف افرنجة أمضى من سيوف الهند.
وأهلها نصارى. ولهم ملك ذو بأس وعدد كثير وقوة ملك، له مدينتان أو ثلاث على ساحل البحر من هذا الجانب في وسط بلاد الإسلام، وهو يحميها من ذلك الجانب، كلما بعث المسلمون إليها من يفتحها يبعث هو من ذلك الجانب من يحميها. وعساكره ذوو بأس شديد لا يرون الفرار أصلاً عند اللقاء، ويرون الموت دون ذلك. لا ترى أقذر منهم وهم أهل غدر ودناءة أخلاق، لا يتنظفون ولا يغتسلون في العام إلا مرة أو مرتين بالماء البارد، ولا يغسلون ثيابهم منذ لبسوها إلى أن تتقطع. ويحلقون لحاهم وإنما تنبت بعد الحلق خشنة مستكرهة. سئل واحد عن حلق اللحى فقال: الشعر فضلة أنتم تزيلونها عن سوءاتكم فكيف نتركها نحن على وجوهنا؟
مدينة مشهورة بأرض الروم، وهي مدينة دقيانوس الجبار الذي هرب منه أصحاب الكهف، وبين الكهف والمدينة مقدار فرسخين، والكهف مستقبل بنات نعش لا تدخله الشمس، فيه رجال موتى لم يتغيروا وعددهم سبعة: ستة منهم نيام على ظهورهم، وواحد منهم في آخر الكهف مضطجع على يمينه، وظهره إلى جدار الكهف، وعند أرجلهم كلب ميت لم يسقط من أعضائه شيء، وهو باسط ذراعيه بالوصيد كافتراش السباع، وعلى الكهف مسجد يستجاب