واد بأرض عاد، كان ذا ماء وشجر وعشب وخيرات كثيرة، منها حمار بن مويلع، كان له بنون خرجوا يتصيدون فأصابتهم صاعقة فماتوا عن آخرهم، فكفر حمار كفراً عظيماً وقال: لا أعبد رباً فعل بي هذا! ودعا قومه إلى الكفر، فمن عصاه قتله، وكان يقتل من مر به من الناس، فأقبلت نار من أسفل الجوف فأحرقته ومن فيه، وغاض ماؤه فضربت العرب به المثل وقالوا: أكفر من حمار! وقالوا أيضاً: أخلى من جوف حمار. وقال شاعرهم:
ولشؤم البغي والغشم قديماً ... ما خلا جوفٌ ولم يبق حمار
أرض واسعة باليمن كثيرة الرياض والمياه، طيبة الهواء عذبة الماء منها ذو حرث الحميري واسمه مثوب؛ قال هشام بن محمد الكلبي: كان ذو حرث من أهل بيت الملك يعجبه سياحة البلاد، فأوغل في بعض أوقاته في بلاد اليمن، فهجم على أرض فيحاء كثيرة الرياض، فأمر أصحابه بالنزول وقال: يا قوم إن لهذه الأرض شأناً، لما رأى من مياهها ورياضها ولم ير بها أنيساً، فأوغل فيها حتى هجم على عين عظيمة نظيفة، بها غاب ويكتنفها ثلاث آكام عظام، فإذا على شريعتها بيت صنم من الصخر، حوله من مسوك الوحش وعظامها تلال.
فبينا هو كذلك إذ أبصر شخصاً كالفحل المقرم قد تجلل بشعره وذلاذله تنوش على عطفه، وبيده سيف كاللجة الخضراء، فنكصت منه الخيل وأصرت بآذانها ونفضت بأبوالها، فقلنا: من أنت؟ فأقبل يلاحظنا كالقرم الصؤوم، ووثب وثبة الفهد على ادنانا فضربه ضربة، فقط عجز فرسه، وثنى بالفارس جزله جزلتين. فقال القيل: ليلحق فارسان برجالنا ليأتينا عشرون رامياً. فلم يلبث أن أقبلت الرماة ففرقهم على الآكام الثلاث وقال: احشوه بالنبل