ويتخذون منها ماءً لطيفاً في آنية زجاج ويجمعونه بجد واجتهاد عظيم، فيحصل في العام نحو مائتي رطل بالمصري. وهناك رجل نصراني يطبخه بصناعة يعرفها لا يطلع عليها أحد، ويصفي منها الدهن، وقد اجتهد الملوك أن يعلمهم فأبى وقال: لو قتلت ما علمت أحداً ما بقي لي عقب.
قال الحاكي: شربت من هذه البئر وهي عذبة فيها نوع دهنية لطيفة، وقد استأذن الملك الكامل أباه الملك العادل أن يزرع شيئاً من شجر البلسان، فأذن له، فغرم غرامات وزرعه فلم ينجح ولا حصل منه دهن البتة، فسأل أباه أن يجري لها ساقية من البئر المذكورة، فأذن له ففعل وأنجح، فعلموا أن ذلك من خاصية البئر. وليس في جميع الدنيا موضع ينبت شجر البلسان وينجع دهنه إلا هناك، ورأى رجل من أهل الحجاز شجر البلسان فقال: انه شجر البشام بعينه إلا أنا ما علمنا استخراج الدهن منه.
بليدة بين حلب وحماة، كثيرة التين والزيتون. ينسب إليها أبو العلاء أحمد ابن عبد الله المعري الضرير المشهور بالذكاء. ومن عجيب ما ذكر عنه أنه أخذ حمصة وقال: هذا يشبه رأس البازي! وهذا تشبيه عجيب من أولي الأبصار فضلاً عن الأكمه، وقد ذكر البعير عنده أنه حيوان يحمل حملاً ثقيلاً فينهض به فقال: ينبغي أن تكون رقبته طويلة ليمتد نفسه فتقدر على النهوض به! وكان له سرير يجلس عليه فجعلوا في غيبته تحت قوائمه أربعة دراهم، تحت كل قائمة درهماً، فقال: ان الأرض قد ارتفعت عن مكانها شيئاً يسيراً والسماء نزلت! ومن العجائب انه مع ذكائه اختفت عليه الموجودات التي ليست بمجسمة كالجواهر الروحانية، فاعتقد ان كل موجود يكون مجسماً حتى قال:
قالوا: إلهٌ لنا قديمٌ! ... قلت لهم: هكذا يقول