ولئلا يسد بعضنا الهواء عن بعض. فقال، صلى الله عليه وسلم: ما لي لا أرى فيكم سلطاناً ولا قاضياً؟ فقالوا: أنصف بعضنا بعضاً، وأعطينا الحق من أنفسنا. فلم نحتج إلى أحد ينصف بيننا، فقال، صلى الله عليه وسلم: ما لأسواقكم خالية؟ فقالوا: نزرع جميعاً ونحصد جميعاً، فيأخذ كل رجل منا ما يكفيه ويدع الباقي لأخيه. فقال، صلى الله عليه وسلم: ما لي أرى هؤلاء القوم يضحكون؟ قالوا: مات لهم ميت! قال: ولم يضحكون؟ قالوا: سروراً بأنه قبض على التوحيد! قال، صلى الله عليه وسلم: وما لهؤلاء يبكون؟ قالوا: ورد لهم مولود وهم لا يدرون على أي دين يقبض. قال، صلى الله عليه وسلم: إذا ولد لكم مولود ذكر ماذا تصنعون؟ قالوا: نصوم لله شهراً شكراً. قال: وإن ولدت لكم انثى؟ قالوا: نصوم لله شهرين شكراً، لأن موسى، عليه السلام، أخبرنا أن الصبر على الأنثى أعظم أجراً من الصبر على الذكر. قال، صلى الله عليه وسلم: أفتزنون؟ قالوا: وهل يفعل ذلك أحد إلا حصبته السماء من فوقه، وخسفت به الأرض من تحته؟ قال: افتربون؟ قالوا: إنما يربي من لا يؤمن رزق الله! قال: أفتمرضون؟ قالوا: لا نذنب ولا نمرض وإنما تمرض أمتك ليكون كفارة لذنوبهم. قال، صلى الله عليه وسلم: أفلكم سباع وهوام؟ قالوا: نعم تمر بنا ونمر بها فلا تؤذينا.
فعرض عليهم النبي، صلى الله عليه وسلم، شريعته، فقالوا: كيف لنا بالحج وبيننا وبينه مسافة بعيدة؟ فدعا النبي، صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس: تطوى لهم الأرض حتى يحج من يحج منهم مع الناس.
قال: فلما أصبح النبي، صلى الله عليه وسلم، أخبر من حضر من قومه، وكان فيهم أبو بكر، رضي الله عنه، قال: إن قوم موسى بخير، فعلم الله تعالى ما في قلوبهم فأنزل: وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون. فصام أبو بكر شهراً واعتق عبداً، إذ لم يفضل الله أمة موسى على أمة محمد، صلى الله عليه وسلم.