مدينة عظيمة من أعيان المدن على طرف بحر الروم بالشام. موصوفة بالنزاهة والحسن وطيب الهواء وعذوبة الماء، وفي داخلها مزارع وبساتين.
وانها بنتها انطاكية بنت الروم بن اليقن بن سام بن نوح، عليه السلام، ذات سور وفصيل. ولسورها ثلاثمائة وستون برجاً، يطوف عليها أربعة آلاف حارس من عند صاحب القسطنطينة، يضمنون حراستها سنةً ويستبدل بهم في السنة الثانية، وسورها مبني على السهل والجبل من عجائب الدنيا. دورتها اثنا عشر ميلاً. وكل برج من أبراجها منزل بطريق فسكنه بخدمه وخوله، وجعل كل برج طبقات أسفله مرابط الخيل، وأوسطه منزل الرجال، وأعلاه موضع البطريق. وكل برج كحصن عليه أبواب حديد، وفيها ما لا سبيل إلى قطعه من الخارج. والمدينة دائرة نصفها سهلي ونصفها جبلي، وقطر الدائرة فاصلة بين السهلي والجبلي.
ولها قلعة عالية جداً تتبين من بعد بعيد تستر الشمس عن المدينة، فلا تطلع عليها إلا في الساعة الثانية.
وبها بيعة القسيان، وهو الملك الذي أحيا ولده رئيس الحواريين فطرس، كما جاء في القصة في قوله تعالى: واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون.
وعلى باب بيعة القسيان صحنان لساعات الليل والنهار، يعمل كل واحد اثنتي عشرة ساعة، وفي بيعة القسيان من الخدم والمسترزقة ما لا يحصى، ولها ديوان فيه بضعة عشر كاتباً. والمدينة خمس طبقات، على الطبقة الخامسة الحمامات والبساتين ومناظر حسنة، وسبب ذلك أن الماء ينزل من الجبل المطل عليها، وقد عملوا على الماء الحمامات والبساتين. وفيها من الكنائس ما لا يعد، كلها معمولة بالفص المذهب والزجاج الملون والبلاط المجزع. وحماماتها