علم الإمام ابن باديس بموقف أخيه الإمام الإبراهيمي، فازداد إكبارًا له وإعجابًا به، وكتب إليه رسالة في 4 ربيع الأنور1349هـ (13 أفريل 1940م)، أي قبل ثلاثة أيام من وفاته، ونص هذه الرسالة هو:
" الأخ الكريم الأستاذ البشير الإبراهيمي، سلمه الله،
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فقد بلغني موقفكم الشريف الجليل العادل فأقول لكم: "الآن يا عمر" (53)، فقد صنت العدم والدين، صانك الله، وحفظك وتَرِكتك، وعظَّمتَهُما عظم الله قدرك في الدنيا والآخرة، وأعززتهما أعزك الله أمام التاريخ الصادق وبيّضت محيّاهما بيض الله محيّاك يوم لقائه، وثبتك عدى الصراط المستقيم، وجب أن تطالعني برغباتك، والله المستعان.
والسلام من أخيكم عبد الحميد بن باديس " (54).
وننبه القارئ غير المطلع على أوضاع الجزائر في هذه الفترة إلى أن هذه الأنشطة التي قام بها الإمام الإبراهيمي وإخوانه أعضاء جمعية العلماء من تعليم، وكتابة في الصحف، ودروس مسجدية، ومحاضرات في النوادي تمت في ليل من السياسة الاستعمارية غاسق، وفي جو من الإرهاب الفرنسي خانق، وفي بحر من القوانين الفرنسية الجائرة عائق، وتكفي الإشارة في هذا الشأن إلى منشور ميشال سنة 1933 وقرارات ريني وقانون شوطان في 1938 وجميعها يقضي بإغلاق المساجد في وجوه العلماء، وبمنعهم من التنقل في البلاد للوعظ والإرشاد، وبمنع تأسيس المدارس وتعليم اللغة العربية (55).
وسيلاحظ القارئ تركيزًا على الطرقية المنحرفة، وقد يظن غير العارفين أن هناك مبالغة من الإمام الإبراهيمي في الاهتمام بهذا الموضوع، أو أنه افتعل معركة؛ ولكن الحقيقة هي أن كثيرًا من البلايا التي أصابت الجزائر وأهلها إنما كانت بسبب هذه الطرقية المنحرفة، التي ضلت وأضفَت جِبِلاَّ كثيرًا من الجزائريين؛ ففرقت صفهم، وشتَّتَتْ جمعهم، حيث بلغ عددها " نحو خمسين طريقة، وكل طريقة مخالفة لطريقة أخرى" (56)، وشرعت لهم من الدين ما لم يوص به الله ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - ولا صلح المؤمنين، واستبدلت أورادها بالقرآن