إن هدف الجزائر في تلك المرحلة هو التحرر من الاستعمار، وقد كان الإمام مقتنعًا أن ذلك التحرر لن يتم إلا إذا هيِّئت وأُعِدَّت وسيلته، فلا يمكن أن "تسبق غايةٌ وسيلتها"، وما الوسيلة- في رأيه- إلا العلم بأوسع معانيه، "فهذه الجهود الجبارة التي تبذلها جمعية العلماء في سبيل العربية والإسلام والتعليم كلها استعداد للاستقلال، وتقريب لأجله" (28)، وذلك ما يهوِّن عليه وعلى إخوانه العلماء ما يلاقونه من محاكمات وسجون، "ولكننا سندخل هذه المحاكم برؤوس مرفوعة، وسنتلقى هذه الأحكام بنفوس مطمئنة بالإيمان، وسندخل السجون بأعين قريرة" (2). ومن أجل ذلك حمَّل الإمام الإبراهيمي جسمه المريض ما لا طاقة له به من أسفار كثيرة، وترحال دائم، وتنقل مستمر، ليضع حجر أساس مدرسة في الشرق، ثم ينتقل لتدشين مدرسة في الغرب، وهكذا دواليك ... وعلى القارئ أن يقدر الجهد الكبير الذي بذله الإمام طيلة ستة أعوام -1946 - 1952 - ، إذا عرفنا أنه في سنة 1948 وحدها بُدئ بناء 37 مدرسة عبر التراب الوطني (30).
وللإمام الإبراهيمي من وراء هذه التنقلات الكثيرة المضنية فلسفة اجتماعية، وهي معرفة مدى انتشار الوعي وارتفاعه في الأمة، وتعويدها على التجمعات الهادفة بدل تلك التجمعات الحزبية أو البدعية، ونزع رهبة السلطات الفرنسية من قلوب أفرادها.
ويلاحظ في هذه الفترة التوسع في تعليم البنت الجزائرية، في مجتمع كان يعتبر تعليم البنت إحدى الكبر، وقد جادل الإمام الإبراهيمي جدالًا كبيرًا عن حقها في التعليم، بل عن واجبه عليها، إذ الإسلام يجعل العلم فريضة على المسلم ذكرًا كان أو أنثى، وبذلك وصل عدد الإناث في مدارس الجمعية إلى 5696 بنت سنة 1951، ليقفز إلى ثلاث عشرة ألف بنت سنة 1953، وهو عدد ضخم نظرًا لظروف ذلك العهد الاجتماعية والنفسية والمادية. وقد كان الإمام يخطط لإنشاء دار للمعلمات، ومعهد للبنات على غرار معهد ابن باديس للذكور، وجامعة عربية إسلامية تجمع بين الروح الإسلامية الشرقية والعلوم الحديثة النافعة (31).