الرطانات الأجنبية، وتاريخًا غطى عليه النسيان، ومجدًا أضاعه وَرَثَةُ السوء، وفضائل قتلتها رذائل الغرب" (3).

كان الفرنسيون متأكدين أن رئاسة جمعية العلماء ستؤول إلى الإمام الإبراهيمي، فسعوا جهدهم لمنع ذلك، وبذلوا من زخرف القول وخُلَّب الوعود ما بذلوا لكي تُصْرَف رئاسة الجمعية إلى غيره، وقد "اقترح علينا الكولونيل شون ( Shoen) وابن حورة- المبعوثان من طرف الوالي العام الفرنسي- تقديم شخصٍ معَيَّنٍ لرئاسة الجمعية خلفًا للشيخ ابن باديس، نظرًا لما يتمتع به من مرونة وبُعد نظر، وستجدون من السلطات كل عون ومساعدة" (4). ولكن إخوان الوفاء عزموا وصمموا أن ليس للجمعية من دون الإبراهيمي رئيس، وأنه أحق بها وأهلها، فانتخبوه- وهو غائب- لرئاستها، وقدَّموه- وهو المغضوب عليه من فرنسا- لقيادتهم. إن مثَل الرجل العظيم كَمَثَل المغناطيس، هذا تنجذب إليه المعادن لقوة جاذبيته، وذاك يلتف حوله الرجال الكُمَّلُ لقوة شخصيته، وعلو همته، وكمال مروءته.

إن من آيات الله التي أراها الناس في هذه الجمعية أن رئيسَيْها الأول والثاني اصطفاهما إخوانهما لرئاستها من غير أن يسعيا إليها، واختاروهما لقيادتهم وهما غائبان، في الوقت الذي كان أعضاء الأحزاب والجمعيات الأخرى يصطرعون على رئاسة أحزابهم وجمعياتهم، ويكيد بعضهم لبعض، بل وبقتل بعضهم بعضًا لَهْثًا وراء رئاسة أو تشبُّثًا بها. إن العظيم الحق هو من تطلبه الرئاسة، ويقدمها إليه الخِيَرةُ من الرجال.

وهنا ملاحظة ينبغي الإشارة إليها لما لها من دلالة، وهي أن الفرنسيين لم يحاولوا فرض رئيس على حزب أو جمعية، أو إبعاد شخص عن رئاسة حزب أو جمعية إلا بالنسبة لجمعية العلماء؟ فقد ساوم مِيرَانْتْ- مدير الشؤون الأهلية بالولاية العامة- الإمام ابنَ باديس على ترك الجمعية (5)، وضغطوا لإبعاد الإمام الإبراهيمي عن رئاستها. كل ذلك لأنهم كانوا مستيقنين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015