أما الطرقية فقد فرغنا منها هدمًا وتخريبًا، واقتحمنا عليها معاقلها الحصينة، ودككنا صياصيها المنيعة، واستبحنا حماها بكلمة الله، واقمنا على أنقاضها بناء الحق. بدأنا ذلك كله بإزالة هيبتها الباطلة من الصدور، ومحو سلطتها الكاذبة من النفوس، ثم كشفنا عن نسبتها المزورة إلى الدين الحنيف. فما تمّ لنا ذلك حتى انهارت من أساسها، وتلك عاقبة كل بناء بُني على الوهم والتزوير. وقد أحيانا الله حتى شهدنا جنازتها بلا ردة، وهلنا عليها التراب بأيدينا غير آسفين.
فمن كان يؤرخ للطرقية بهذا الوطن ولاشتدادها فيه وامتدادها منه فليحبس قلمه، فهذه آخر صحيفة من كتابها، وليختمه بتسجيل سنة الوفاة، بإقحام سطر: ماتت:- لا رحمها الله- بين سنة كذا وكذا ...
هذه هي الحقيقة العارية والواقع المجرد، وإِنْ هذه الفورات من أبنائها وأحفادها ومواليها ورعاياها إلا مناحات معقودة عليها، وإن سَمُّوها جمعيات ومؤتمرات وما سوّل لهم الغرور من الأسماء.
وما هذه الأصوات المرجوعة منهم، وما هذه الزمزمة الصحفية إلا ترتيل العميان الموظفين على قبرها (يفدونها) فدية الثأر لا فدية النار، ويبكونها ميتة وهم يظنون أنهم ينصرونها حيّة.
ماتت الطرقية وانقطعت أنفاسها، وجاءها قضاء الله الذي فرقت دينه وهوّنت حقّه، ونازعته في جبروته، وصرفت أوباشها في ملكوته، فلم يدفعه عنها دافع ولم يصرفه عنها أعلامها المنشورة ولا بناديرها.