ثم تعاقب الولاة على الجزائر بالتعيين الرسمي من الدولة العثمانية، ولا يتسع الوقت لسرد أسمائهم، وذكر أعمالهم وشرح سياستهم، ولكن واحدًا منهم لا يحسن بنا عدم التنويه باسمه، ولا يحسن بكم جهله، وهو (قلج علي)، تولّى الجزائر من سنة 1568 ميلادية إلى سنة 1571.

اشتهر هذا الوالي بالشجاعة والقوّة والحزم والبراعة في قيادة الأساطيل الحربية، وشارك بأسطول الجزائر في الموقعة البحرية الكبرى التي تألبت فيها الأساطيل الأوربية، على الأسطول التركي حتى حطمته، ولم ينجح منه إلا الأسطول الجزائري الذي يقوده قلج علي هذا، ولم يغنم النجاة بأسطوله فقط، بل غنم من أعدائه مغانم أهمها في المغزى، المركب الذي يحمل علم البابا. وكانت من عواقب هذه البطولة أن نقلته الدولة العثمانية من الجزائر إلى دار الخلافة ليقوم بتجديد الأسطول وتنظيمه، وليس في ولاة الجزائر بعده من يحتفظ له التاريخ بمنقبة حربية بكر، وإن كانت لبعضهم مآثر دينية أو عمرانية تستحق التخليد.

بفشل المحاولات الرامية إلى الاستيلاء على المملكة المراكشية وإلحاقها بالممالك العثمانية، وبتقسيم الجزائر إلى ثلاثة أقسام مركزها الجزائر العاصمة، وبالاستيلاء على المناطق الصحراوية وضمّها إلى ما يسامتها من تلك الأقسام الثلاثة، بذلك كله تميّزت حدود الجزائر الحالية تقريبًا، ولم تبقَ إلا مواطن للقبائل المتداخلة لم تزل محل نزاع إلى وقت قريب، وطالما اتخذت منها فرنسا ذرائع للشقاق والتحرّش في عهد استعمارها، وهذه الحدود كلها إدارية لا تشهد لها الطبيعة بحق، ولا يهم إنسان بوضع العلامات الفارقة فيها إلا طمستها الجوامع من صنع الله فكان كالراقم على الماء، وأول ما حدّدت هذه الحدود الإدارية في العهد التركي.

والعهد التركي هو أطول عهود الحكومات المتعاقبة على الجزائر في تاريخها الإسلامي، ولم تتسع رقعة الجزائر على دولة من الدول التي نشأت مثل ما اتسعت في العهد التركي.

فمدة العهد التركي العثماني في الجزائر ثلاثمائة سنة وتسع عشرة سنة، وينقسم إلى خمسة أدوار، بحسب نوع الولاة الذين تعاقبوا على حكم الجزائر.

ـ[الدور الأول]ـ: حكم بابا عروج وأخيه خير الدين، من سنة 1512 إلى سنة 1546، فمدّته 34 سنة.

ـ[الدور الثاني]ـ: حكم البايلاربايات، من سنة 1546 إلى سنة 1587، فمدّته 41 سنة.

ـ[الدور الثالث]ـ: حكم الباشوات الثُّلاثِيني (2) من سنة 1587 إلى سنة 1659، فمدّته 72 سنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015