بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
محمد الغزالي (*)
ــــــــــــــــــــــــــــــ
كانت القاهرة- لأكثر من ثلث قرن مضى- ملتقى عدد من المجاهدين الكبار يجيئون إليها في ظل عقيدة جامعة، وأخوة وثيقة، ولغة مشتركة، وآمال واحدة.
وكان المسلمون ينظرون إلى الزعماء القادمين نظرة حب جارف وإعزاز بالغ، كانوا يرون النظر في وجوههم عبادة، والحديث معهم والأنس بهم قربى إلى الله.
أذكر من هؤلاء الحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين الأكبر، وقائد جهادها الأول، زارني يومًا في وزارة الأوقاف- وكنت مسؤولاً عن المساجد- فزكَّى بعض المشروعات التي أقوم بها، ورسم لي طريق إنجاحها، وشعرت كأنه يعد نفسه مسؤولًا عن مستقبل الإسلام في مصر، فهو يهتم به اهتمامي أنا به أو أكثر، ولا عجب فدار الإسلام واحدة وإن اختلفت منابت الأفراد ....
وأذكر من أولئك الزعماء اللاجئين إلى القاهرة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي. عرفته، أو تعرفت إليه، في أعقاب محاضرة بالمركز العام للإخوان المسلمين ... كان لكلماته دوي بعيد المدى، وكان تمكنه من الأدب العربي بارزًا في أسلوب الأداء وطريقة الإلقاء، والحق أن الرجل رُزِق بيانًا ساحرًا، وتأنقًا في العبارة يذكرنا بأدباء العربية في أزهى عصورها.
لكن هذا ليس ما ربطنا به أو شدَّنا إليه- على قيمته المعنوية- إنما جذبنا الرجل بإيمانه العميق، وحزنه الظاهر على حاضر المسلمين، وغيظه المتفجر ضد الاستعمار، ورغبته