أن قصورَ الظالمين مقبره
عمارها إلى الخراب معبره
...
ليس من عادتنا أن نثني على الأشخاص لذواتهم أو لمقاماتهم التي قرّرتها الأوضاع والمصطلحات، وإنما نثني- إذا أثنينا- على الأعمال الصالحة، فينصرف الثناء إلى العاملين بالتبَع.
وليس مما رُكب في طباعنا الصغو إلى الملوك، أو انتحال النزعة الملكية مذهبًا، فقد قرأنا عن كثير من غابري ملوك الإسلام ما زهدنا فيهم، وما كرّه إلينا نظام الملكية، وبلوْنا من حاضريهم ما يتبرأ منهم الإسلام من المنديات، وعلمنا علم اليقين أن أعمال الغابرين والحاضرين منهم هي التي أفضت بالإسلام والمسلمين إلى هذه المنزلة من الحطة والهوان؛ فأصبحنا نعتقد أن الملكية نظام لا يعتزّ به الإسلام، ولا يحيا عليه المسلمون، ولا يستطيعون أن يجاروا به أمم الحضارة في هذا الزمان، خصوصًا مع ما انتحلوه لأنفسهم وتعبدوا به رعاياهم من هذا التألّه الكاذب، وهذه الحقوق التي لم يأذن بها الله، وهذه المميزات التي زادها طولُ الزمن، واستحكام الجهل رسوخًا، والتي استمسكوا بها حتى في هذا العصر العالم اليقظان، عصر الدساتير المسنونة بإرادة الأمم، فلا يحاكمون، وإن خربوا الدين والدنيا، ولا يعاقبون، وإن أهلكوا الحرث والنسل، ولا يعاتبون، وإن انتهكوا الحُرُمات، وجاهروا بالمنكرات، وإنك لتسمّيهم ملوكًا لترفعهم عن مقام العبيد، فتجبهك الحقيقة بأنهم عبيدٌ لشهواتهم وأهوائهم؛ وإنك لتلتمسهم في مواطن الحفاظ من أوطانهم، والاحتفاظ بأموالها، والاختلاط بأهلها، والمشاركة لهم في النعماء والبأساء، فلا تجدُهم إلا في أوربا، و (بواليع الأموال في أوربا)، ومُغريات أوربا، يجرونها إلى ديارهم طوعًا، فتجرّهم إلى ديارها كرهًا، ويأخذونها تفاريق فتأخذهم جملة ... ويقتبسونها نورًا، فتقبسهم نارًا؛ وإنك لتجدهم حيث شئت إلا في مقام القدوة في الخير والصلاح.
فإذا أثْنينا اليوم على محمد بن يوسف ملك المغرب، فإنما نثني على أعماله الجليلة ودينه المتين، ومواقفه المشرّفة المجيدة في نصر الحق على الباطل، ودحض البدعة بالسنة، وفي الدفاع عن حقوق وطنه، وفي سيرته النبيلة التي هي مضرب المثل في ملوك الإسلام.
وإذا أحببناه فلأنّ في أعماله وخصاله ومواقفه ما يفرض حبّه فرضًا على كل مسلم صادق الإسلام.
وإذا أعجبنا به فلأنّ كل فصل من سيرته موطنُ إعجاب.