وإذا كان هذا النوع من التجني على الحقيقة بالإصرار على زرع التناقض بين الحركة الدينية والحركة السياسية في تاريخ الجزائر المعاصر أمرا متوقعا من هؤلاء المؤرخين، لأن صراعنا معهم صراع حضاري متواصل عبر التاريخ بأشكال شتى منذ أشرق نور الإسلام على هذه الربوع، فإن المرء ليندهش حين يسمع من يردد تلك المقولات المغرضة من أبناء وطنه، أو في بعض الدوائر العربية، ممن يبحثون في بعض صفحات التاريخ عن حجج معينة لتبرير موقف سياسي آني يتعارض مع انتماء الشعب الجزائري وأصالته، أو طمعا في الحصول على "شهادة حسن السيرة" من الغرب، قصد توظيفها لغايات معينة لا علاقة لها إطلاقا بما ينبغي أن يتحلى به المؤرخ المنصف من أمانة وتجرد وموضوعية ونزاهة فكرية … وقد نلمس لهؤلاء عذرا إذا كان هذا الموقف "الاتباعي" نابعا عن جهل، فقد قال الإمام علي- كرم الله وجهه-: «النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا وَأَحِبَّاءُ مَا أَلِفُوا».
إذا استعرضنا حياة الإبراهيمي نجدها تنقسم إلى سبعة أقسام:
ولد بقرية "رأس الوادي " بناحية مدينة سطيف بالشرق الجزائري في 14 يونيو عام 1889، وفي بيت أسس على التقوى، من بيوتات العلم والدين، وقد أتم حفظ القرآن الكريم على يد عمه الشيخ المكي الإبراهيمي الذي اكتشف مواهبه المبكرة، وكان لها الفضل الأكبر في تربيته وتكوينه، حتى جعل منه ساعده الأيمن في تعليم الطلبة. من هذه المرحلة المبكرة من حياة الشيخ الإبراهيمي لم نعثر على آثار تذكر باستثناء بعض الرسائل الإخوانية (4) وتجدر الإشارة إلى أن الإستعمار الفرنسي في الجزائر كان ينتهج سياسة التجهيل والتفقير والطمس لمقومات الأمة وثوابتها، وذلك في كل أرجاء الوطن.
هاجر جدي، الشيخ السعدي الإبراهيمي إلى المدينة المنورة عام 1908، هروبا من ويلات الاستعمار الفرنسي، ولحق به والدي عام 1911، تأكيدا للتفاعل بين المشرق والمغرب، مرورا بمصر التي أقام بها ثلاثة أشهر، التقى خلالها بعدد من علمائها وأدبائها وشعرائها، وحضر بعض دروس العلم في الأزهر، وعندما استقر بالمدينة المنورة، درس فيها على كبار علمائها- الوافدين من كل أنحاء العالم الإسلامي- علوم التفسير