والتعضد على الانتقام بالقبيلة. وجعل الحكم بالقضاء الشرعي والتوصل إليه بالبينات والحكام. فلو أن ذلك المكسوع كان ممن تأدب بالإسلام وتغلغلت روح الإسلام في قلبه لكان دعا بدعوى الإسلام فقال: يامسلمون قد ضربني هذا. وأقام عليه البينة وساقه إلى النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ليقتص له منه، ولما لم يكن كذلك وكانت الروح الجاهلية لا تزال منها عقابيل في صدره دعا بدعوى الجاهلية، وكان صاحبه مثله فقابله بمثلها، فلما سمع النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- ذلك منهما سأل عن السبب الذي أثار تلك الدعوى فلما عرَّفوه بسببها نهى عنها وحذر منها فأبرزها في أقوى صورة تنفر منها ابرازا للمعقول في صورة المحسوس لأنه أبلغ فى التأثير على السامع فوصفها بأنها منتنة.
دعوى الجاهلية- يا بني عمي، أو يا قومي، أو يا أهل بلدي، أو يا أهل وطني- انتقموا لي. فإذا دعا بها وقعت التفرقة بين عشيرة وعشيرة أو بين قوم وقوم، أو بين بلد وبلد، أو بين وطن ووطن، وأثارت الحمية في كل واحدة من الناحيتين على الأخرى ودفعت إلى الإسر اف والتعدي فأوسعت الظلم والشر وأبقث الإحن والأحقاد والتّرات مما يسترسل معه الظلم والفساد في المستقبل. أما دعوى الإسلام فهي: يا عباد الله، أو يا مسلمون، إني ظُلمت فأنقذوني اشهدوا لي. فإذا دعا بها كانت جامعة لا تفريق فيها، وأهابت بالسامعين كلهم كذاتٍ واحدَةٍ كلهم ينصرون الحق فيكفوا الظلم إن كان واقعا على المظلوم في الحال ويشهدون بالظلم عند الحاكم ليجري العدل مجراه. فأين تلك الآثار من هذه الآثار؟ ولقد ظهرت آثار الأولى في الأمة العربية في جاهليتها، وظهرت الثانية فيها بعد إسلامها فأرى الله العباد- عيانا