إنما ينظم به ويساس وأن كل ما لم يبن عليه فهو على شفا جرف هار. وأنه هو سياج المملكة ودرعها، وهو سلاحها الحقيقي وبه دفاعها وأن كلَّ مملكة لم تحم به فهي عرضة للانقراض والانقضاض.
قال أبو الطيب المتنبي:
أَعْلَى الْمَمَالِكِ مَا يُبْنَى عَلَى الأَسَلِ ... وَالطَّعْنُ عِنْدَ مُحِبِّيهِنَّ كَالْقُبَلِ
نعم إن محبي الممالك الصادقين في محبتها والذين تصلح لهم ويصلحون لها هم الذين يستعذبون في سبيلها الموتَ، ويكون الطعن عندهم مثل القبل على ثغور الحسان، فأما الممالك التي تبنى على السيف فبالسيف تهدم. وما يشاد على القوة فبالقوة يؤخذ، وإنما أعلى الممالك وأثبتها ما بني على العلم، وحمي بالسيف، وإنما يبلغ السيف وطره ويؤثر أثره، إذا كان العلم من ورائه.
ولكن أبا الطيب شاعر الرجولة والبطولة، شاعر المعارك والمعامع، لا يرى أمامه إلا الحرب، وآلات الطعن والضرب فلا يمكن أن يقول- وقد غمرته لذة الانتصار، واستولت نشوة الغلب والظفر على لبه وخياله- إلا ما قال.
يجوز لمن أنعم الله عليه بنعمة وفضله بفضيلة أن يفرح بتلك النعمة ويظهر فرحه بها في معرض حمد الله عليها، من حيث أنها كرامة من الله لا من حيث إنها مزية من مزاياه فاق بها سواه، مثلما فعل هذين النبيين الكريمين، وكما قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ