كيف يخشى وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ أجاب العلماء عن هذا بأجوبة منه أنه لا يخشى العقاب ولكنه يخشى العتاب ومنها- وهو قول الأكثر- أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر بشرط امتثاله لما أمر به. ذكر هذين ابن العربي في "القبس" ومنها أنها خشية الإجلال ومشاهدة عظمة الربوبية وأنه لا يجب عليه تعالى شيء. وهذان (?) الحديثان الصحيحان من الأدلة الصريحة عند أهل العلم على أن العبادة الشرعية الإسلامية لا تتجرد من الخوف حتى عبادة أفضل الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
الإنسان مهيأ للكمال بما فيه من الجزء النوراني العلوي وهو روحه، ومعرض للسقوط والنقصان بما فيه من أخلاط عناصر جزئه الأرضي الظلمائي وهو جسده، ولا يخلص من كدرت جثمانه ولا ينجو من أسباب نقصانه إلا بعبادة ربه التي بها صفاء عقله وزكاء نفسه وطهارة بدنه في ظاهره وباطه فبعبادة ربه يكمل فيرقى في مراتب الكمال ويدنو من الملأ الأعلى عند الرب الأعلى ذي الجلال والإكرام فالله طيب لا يقبل إلا الطيب وإليه يصعد الكلم الطيب، ولا طيب ولا كمال إلا للعابدين فلا قيمة ولا قبول لغيرهم عند رب العالمين.
قد بيَّن لك الطريق الذي يوصلك إلى مولاك، ويرقيك في مراتب كمالك وعلاك، وما هو إلاَّ عبادة ربك. فكن عبدا له في اختيارك واضطرارك وفي جميع أحوالك، واحذر أن تعتمد على شيء