اثار ابن باديس (صفحة 1853)

ثم إن هذا المكتري يقف عند باب سوقه في أيام السوق، فكل من يريد الدخول لمحله- وهو السوق الذي يملك منفعته بالعقد السابق - يدفع أجرة الانتفاع بالبقعة التي يقف فيها بسلعته مدة بقاء السوق في ذلك اليوم سواء أباع تلك السلعة أم لم يبعها، فهذا أيضا عقد على الانتفاع بالبقعة مدة معلومة بثمن معلوم فهو صحيح جائز.

لا يقال إن المكتري لا يلاحط منفعة البقعة وإنما يلاحظ ما يأخذه عن ثمن المبيعات لأننا نرى أن البقعة هي المقصودة لا ثمن المبيعات بدليل أنه يأخذ أجرة البقعة سواء أباع أم لم يبع وسواء أباع بالقليل أم بالكثير. ولا يقال أن المكتري للسوق يأخذ عن كل ما يأتي للبلد ولو كان بعيدا عن السوق لأن كلاً منا فيمن يأخذ عن الموضع الذي اكتراه بحدوده وأما الأخذ في غير المكان المكتري بحدوده فهو غير داخل في كلامنا. وليس الفتوى فيه. ولا يقال أن العقد الأول فيه غرر لأن مكتري السوق قد تساعده الأحوال فيربح وقد تعاكسه فيخسر لأننا نقول! هذا الشأن في التجارة بيعاً واكتراء، ولا يضر هذا إذا كان ثمن البيع والكراء معلوماً كما هو في موضوعنا، ومثل هذا من اكترى فندقاً فإنه قد يربح وقد يخسر ولا يقال أنه فرق بين كراء بقعة لتقف فيه الدابة حتى يأتيها صاحبها، ويكون صاحب البقعة حارساً لها، وبين كراء البقعة لتقف فيها الدابة لتباع وصاحبها هو حارسها-، لأننا نقول المقصود هو الانتفاع يالبقعة منفعة صحيحة سواء كانت وضع سلع أو وقوف دابة لأي غرض كان، إذ الجميع انتفع بالبقعة، ودعوى الفرق بين ثمرات الانتفاع لا وجه لها. من هذا البيان يعلم أننا لا نريد تحليل المكس "عياذاً بالله" وإنما نريد أنه غير منطبق على كراء الأسواق واكتراء الانتفاع بالوقوف فيها يوم السوق، وأن العقد الأول ما بين صاحب السوق ونواب العامة والثاني بين صاحب السوق ومريد الوقوف فيه بسلعته، من عقود الإجارة الصحيحة الجائزة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015