كما تقول لمن تقدمت منه عطية لبعض أقاربه: أعط هذا القريب الأقرب كما أعطيت ذاك القريب، تقصد أصل العطاء دون مقداره ضرورة أن ما يستحقه القريب الأقرب أكثر مما يستحقه القريب، وجاء على هذا الأسلوب قوله تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}. فالمقصود أن يكون منه إحسان كما كان من الله تعالى إليه، ولا يمكن أن يكون ما يصدر منه من إحسان مماثلاً لما لله عليه منه.
وتكون نكتة التشبيه إلحاق المتأخر وهو الصلاة والبركة المسؤولتان لمحمد وآله بالسابق المشتهر وهو الصلاة والبركة المعطاتان لإبراهيم وآله، فالمقصود أن تكون هاته ظاهرة مشتهرة في الخلق كما كانت تلك فيهم.
الوجه الثاني: أن يكون التشبيه في مقدار الصلاة والبركة ويكون المطلوب هو المقدار المماثل كما تقول لمن أعطى زيدا عشرة دراهم: أعط عمرا كما أعطيت زيدا. ونكتة التشبيه في هذا الوجه هي نكتته في الأول.
وعلى هذا الوجه يقال كيف يطلب له- صلى الله عليه وآله وسلم- صلاة وبركة مثلما حصل لغيره وهو أفضل من غيره وبمقتضى كونه أفضل لا يطلب له إلا ما هو أفضل، ويجاب بأن النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- كان شديد التعظيم لأبيه إبراهيم- عليه السلام- والتواضع في جانبه، فكان هذا الطلب على مقتضى ذلك التعظيم وذلك التواضع، وفي ذلك تعليم وتأديب لأمته.
ثم في هذا التشبيه إشادة بذكر إبراهيم- عليه السلام- وإبقاء له على ألسنة هذه الأمة، وفي هذا اعتراف بفضل هذا النبي القانت الحنيف الذي هو على ملته، واحتجاج على أهل الكتاب الذين يعظمونه مثلنا وقد حادوا عن ملته الحنيفية بذهابهم في أودية الشرك واتخاذ بعضهم