القضايا العامة والمشاريع الهامة التي هم مسؤولون أمام الله ورسوله والناس أجمعين عن حقها عليهم وما حقها عليهم سوى تعاونهم على إحيائها تعاونا مستمدا من وحي الضمير!
بعد ظهر اليوم المذكور نادى مناد في المدينة أن الأستاذ ابن باديس يلقي محاضرة بفسحة إلى السينما بعد صلاة العصر، وما أزفت الساعة المعينة حتى اكتظت ردهة المحل وشغلت جميع كراسيه بالوافدين الذين من بينهم من جاءوا من أماكن بعيدة لسماع محاضرة الأستاذ وعلى أثر ذلك صعد فضيلته منصة الخطابة وشرع يمتع السامعين بما تهفو إليه أرواحهم وتنجذب إليه عواطفهم وتستعذبه مشاعرهم من خالص النصح وسديد الإرشاد وبديع الخطاب.
بدأ الأستاذ محاضرته بحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- ثم تطرق إلى التحدث إلى سامعيه عن محاسن الإسلام التي تجل عن الوصف فأبان لهم ما يجب عليهم للمحافظة على الإسلام الثمين وكتابه الإلهي ذي اللسان العربي المبين. بيانا هو الشمس وضوحا والحق نوراً فقال:
إن هذا الإسلام هو رحمة من الله لبني آدم فانظروا رحمكم الله قوله تعالى: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} كيف كرر الله عز وجل لفظ الرحمة أربع مرات في موطن واحد ولم يقل لنا "القهار الجبار" مع أنه عز وجل قهار جبار كل ذلك لنستشعر سعة رحمة الله بخلقه، فإذا كان رب الناس الذي هو المالك لهم على الحقيقة يعامل عباده بمقتضى هذه الرحمة التي وسعت كل شيء فأحرى أن يتخلق عباده بأخلاقه وتظهر عليهم آثار هذه الأخلاق في معاملة بعضهم لبعض وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم-: «من لا يَرحم لا يُرحم».