في إصلاح مسجد آخر كان زاوية، وهو من حبس السيد خليفة حمه علي أبي شاعر الشباب السيد محمد العيد فأزال منه الصناجق والأعلام التي كان وجودها ذريعة لتمسح العوام بها كما يتمسحون بتوابيت المقابر وأحجارها مما هو بدعة منكرة شبيهة بأعمال الوثنيين سرت إلينا من اليهود الذين يقبلون القبور والستور. ولولا العزم على السفر ولزوم تخفيف الإقامة لإتمام برنامج الرحلة لأتممت للسيد العربي رغبته في إلقاء درس بهذا المسجد، ولبينت للناس حسن صنيعه به.
أخذني من البيضاء إلى مسكيانة الشاب المهذب الماجد السيد السعيد بن زكرى خوجة حاكمها ونزلت في بيت جامعها ولقيت مزيد العناية من إمامه الشيخ مامي الشريف وأضافنا قائدها السيد إبراهيم آل بن بو زيد بيت الحراكتة من قديم والسيد أحمد بن فجني معين الطبيب وبالغ أهلها في الاحتفاء والاعتناء وكانت لنا مجالس في عدد من محلاتهم التجارية لم تخل من تعليم وتذكير. وألقيت بجامعها بعد العشاء الليلة الأولى درساً في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ- إلى- فَاصْبِرْ} فذكرت حاجة الأعمال العظيمة إلى الجد والنهوض والصبر والثبات وإن أعظم محصل للصبر هو إخلاص العمل لله، وما يجب لله من تكبير وما يجب للخلق من نفع وما يجب للنفس من تطهير حسي ومعنوي وما في الآية من بديع الترتيب. وألقيت الليلة الثانية درساً في قوله تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا} وذكرت شرف هذا الإسم وهذه التسمية وما تقتضيه من صفات السِّلم والسلامة والإسلام أي الإنقياد بالأعمال الشرعية لله والإخلاص فيها له (?).