كان ضماد- وهو رجل من أزد شنؤة- من أطباء العرب في الجاهلية وكان يعالج بالطب والرقية. قدم مرة مكة، وقد بلغه نبأ الدعوة الجديدة فلما قدمها سمع من سفهائها ما كانوا يرمون به صاحب هذه الدعوة من الجنون فود لو رآه فرقاه لعل الله يشفيه على يديه، فعمل لذلك حتى لقيه، فقال: يا محمد، إني أرقي من هذه الريح - ريح الجنون- وإن الله يشفي على يدي من شاء فهل لك؟ فما أجابه النبي- صلى الله عليه وآله وسلم- بكلمة ترد عليه وما زاد على أن قال: "إن الحمد لله نحمده ونستعينه من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد" فما تركه ضماد يشرع فيما بعد أما بعد، فقد عملت هذه الكلمات الجوامع عملها من نفسه وأثرت أثرها في قلبه فبادره بقوله: أعد عليَّ كلماتك هؤلاء فأعادها عليه رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- ثلاث مرات فتجلى لضماد من توحيد الله وتنزيهه والثقة به والاعتماد عليه والحمد له ما بهره منه المعنى الكبير الكثير، في اللفط البين القليل، وعرفه أن هذا لا يخرج من قلب مجنون. وكيف؟ وهو لم يطرق سمعه مثلهن فيما سمع من كلام الناس فقال، معلنا لإيمانه مبيناً لدليله وبرهانه: لقد سمعت قول الكهنة، وقول السحرة، وقول الشعراء، فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء، ولقد بلغن قاعوس البحر (كقاموس عمق البحر ولجته) ثم قال: هات يدك أبايعك على الإسلام فبايعه، فقال