بن أبى طالب - رضي الله عنه - "أبو ذر وعاء ملىء علماً ثم أوكئ (ربط فم الوعاء بالوكاء وهو الرباط) عليه".
كان أبو ذر يأخد نفسه بأعلى درجات الزهد والتقلل من الدنيا ويريد حمل الناس على ذلك بشدة في الحق وصراحة فيه فلم يستطع الناس ذلك وما كانوا ليستطيعوه فكانوا يبتعدون منه وكان هو يحب الانفراد عنهم فلم يتأت نشر علمه فيهم. وهذا هو الذي عناه علي - رضي الله عنه - بقوله: "ثم أوكئ عليه".
خرج من الدنيا ولم ينشب (يتعلق) منها بشيء وكان يتحرى عيشة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فلا يمسك من المال ما يزيد على ما لا بد له منه لقوته وقوة عياله (1). شبهه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - بعيسى عليه السلام وقال فيه يمشي في الأرض بزهد عيسى بن مريم. وهذا يدل على أن المنزلة التي كان يلتزمها ليست مما يستطيعه جميع الناس ولا مما يكون تكليفا لازما عاما لهم.
قال فيه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم (2) - «ما أظلت الخضراء (السماء) ولا أقلت (رفعت) الغبراء (الأرض) من ذي لهجة (لسان) اصدق ولا أوفى من أبي ذر» فكان كما وصفه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - يقول الحق على الوفاء والتمام صراحة دون تورية ولا تعريض ولا مسامحة لشيء فيه مع أي أحد من الناس ولو استاءوا وغضبوا وقد كان هذا حاله من يوم إسلامه إلى أخر أيامه وقد ذكرنا في الجزء