الناس القوة وهو الداعي إليها والمنفر من الضعف وإنما شرع القرآن بجنب الدعوة إلى القوة أن تكون للحق وللخير وللرحمة والعدل.
وكذلك قوله تعالى: {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ} (?) فإن هذه الآية - زيادة عن إفادتها لمعنى ما قدمناه - تكشف لنا نواح (?) من تاريخ هذه الأمة العربية ومبلغ مدنيتها وتعميرها فهي تدل على أنهم كانوا بصراء بعلم تخطيط المدن والأبنية وهو علم لا يستحكم إلا باستخدام الحضارة في الأمة ومأخذ هذا من قوله: {بِكُلِّ رِيعٍ}.
والآية في قوله آية هي بناء شامخ يدل على قوتهم أو هي آية هادية للسائرين وهي على كل حال بناء عظيم يدل على عظمتهم وقوتهم وما زالت عظمة البناء تدل على عظمة الباني.
ولم ينكر عليهم نبيهم نفس البناء الذي هو مظهر القوة. وإنما أنكر عليهم الغاية المقصودة لهم من ذلك البناء الشامخ فمحَطُّ الإنكار قوله: {تَعْبَثُونَ}، ولا شك أن كل بناء شامخ لا يكون لغاية شريفة محمودة فهو عبث ولهو وباطل.
والمصانع، يقول المفسرون أنها مجاري المياه أو هي القصور, وعلى القولين فهي دليل على معرفتهم بفن التعمير علماً وعملاً وبلوغهم فيه مبلغاً عظيماً فهي من شواهدنا على ما سقنا الحديث إليه.
ولكن ليت شعري ما الذي صرف المفسرين اللفظيين عن معنى المصنع اللفظي الاشتقاقي والذي أفهمه ولا أعدل عنه هو أن المصانع