وأما عناية القرآن بالعرب فلأجل تربيتهم لأنهم هم الذين هُيِّئوا لتبليغ الرسالة فيجب أن يأخذوا حظهم كاملا من التربية قبل الناس كلهم, ولهذا نجد كثيرا من الآيات القرآنية في مراميها البعيدة إصلاحا لحال العرب وتطهيرا لمجتمعهم وإثارة لمعاني العزة والشرف في نفوسهم, ومن هذا الباب الآيات التي يذكر بها العرب أن هذا القرآن أنزل بلسانهم مثل: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} والذين يعقلون القرآن قبل الناس كلهم هم العرب. ومن أول القصد إلى العرب والعناية بلسانهم وتنبيههم إلى أن القرآن أنزل بلسانهم دون جميع الألسنة، جلبا لهم حتى يعلموا أنه أنزل لهم وفيهم قبل الناس كلهم.
إنّ العرب قوم يعتزون بقوميتهم وهم ذوو عزة وإباء خصوصاً في الجاهلية فكان من حكمة القرآن أن يجلب نافرهم ويقرب بعيدهم بأن هذا القرآن أنزل بلسانهم.
ومن هذا الباب توسعة الله في قراءة القرآن على سبعة أحرف وهي اللهجات التي تجتمع على صميم العربية وتختلف في غير ذلك. وسع عليهم في ذلك لتشعر كل قبيلة أن هذا القرآن قرآنها, لأن اللسان الذي أنزل به لسانها. وهذا هو ما يقصده القرآن, ومن هذا الباب أيضاً إشعارهم بأن صاحب الرسالة منهم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} الآية.
فمن الطبيعة العربية الخالصة أنها لا تخضع للأجنبي في شيء لا في لغتها ولا في شيء من مقوماتها, ولذلك ترى القرآن يذكرها بالشرف ويحدثها كثيرا عن أمة اليهود التي لا يناديها إلا بيا بني إسرائيل تذكيراً لها بجدها الذي هو مناط فخرها كل ذلك لأنها أمة تحيا بالشرف والسمو والعلو - ويذكرها بالذكر - وهو في لسانها الشهرة الطائرة