والعرفان ومن لا يراعي الأدب في خطاب سيد المرسلين، كيف يصلح أن يكون من العارفين السلكين، إذ من لا يؤدب نفسه كيف يؤدب غيره، ومن لم يؤمن على آداب الخطاب كيف يؤمن على ما يدعيه من مقامات الكاملين. قال أبو يزيد البسطامي- رحمه الله تعالى- لبعض أصحابه: قم بنا حتى ننظر إلى هذا الرجل الذي قد شهر نفسه بالولاية وكان رجلا مقصودا مشهورا بالزهد، فمضينا إليه فلما خرج من بيته ودخل المسجد رمى ببصاقة تجاه القبلة، فانصرف أبو زيد ولم يسلم عليه، وقال: هذا غير مأمون على أدب من آداب رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- فكيف- يكون مأمونا على ما يدعيه اهـ. فانظر يا أخي رحمك الله بإنصاف إلى هذا العارف الكبير كيف وزن الرجل بميزان الشرع فطرحه لإخلاله بأدب واحد من الأداب- فكيف بنا لا نطرح هذا التهجم على رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- بقبيح التعريض وسوء الخطاب. قال أبو إسحاق الشاطبي في كتاب الاعتصام أثر كلام أبي يزيد المتقدم: هذا أصل، أصله أبو يزيد- رحمه الله تعالى- للقوم، وهو أن الولاية لا تحصل لتارك السنة وإن كان ذلك جهلا منه (?) فما ظنك به إذ كان عاملا بالبدعة كفاحا اهـ ونقول: فما ظنك به إذا كان يتهجم على الحضرة النبوية بمثل ذلك الخطاب الذي لا نظير له في كلام صغار المنتسبين، وعامة المداحين الجاهلين فضلا عن كلام العارفين؟ وقال الشيخ عبد الغني النابلسي في شرحه لكتاب الطريقة المحمدية، عند كلام ابي يزيد المتقدم: إن الله- تعالى- لا يؤمن على أسراره وأنواره إلا من الله أولا على الأخلاق المرضية، والأداب المحمدية، - الله أعلم حيث يجعل رسالته- والحكمة وضع الشيء في موضعه، وهي ملازمة لأفعال الله- تعالى- لا ينفك عنها فعل من أفعاله تعالى البتة، وليس من الحكمة وضع الولاية والكمال في المنتهكة