فتقاعد له الأفضل ودافع حتى مات؛ وذلك أنه كانت بينه وبين نزار مباينة، وكان في نفس كل منهما مباينة من الآخر لأمور، منها أن نزاراً خرج ذات يوم من بعض أماكن القصر فوجد الأفضل قد دخل من أحد أبواب القصر وهو راكب، فصاح به: انزل يا أرمني يا نجس؛ فحقدها الأفضل عليه، وظهرت كراهة أحدهما الآخر. ومنها أن الأفضل كان يعارض نزاراً في أموره أيام حياة أبيه ويرد شفاعاته ويضع من قدره، ولا يرفع رأساً لأحد من غلمانه وحاشيته، بل يحتقرهم ويقصدهم بالأذى والضرر. فلما عزم المستنصر على أخذ البيعة لنزار اجتمع الأفضل بالأمراء الجيوشية وخوفهم من نزار، وحذرهم من مبايعته، وأشار عليهم بولاية أخيه أحمد فإنه صغير لا يخاف منه، ويؤمن جانبه؛ فرضوا بذلك وتقرر أمرهم عليه بأجمعهم ما خلا محمود بن مصال اللكي، من قرية يقال لها لك برقة، فإنه لم يوافق لأنه كان قد وعده نزار بأن يوليه الوزارة والتقدمة على الجيوش مكان الأفضل؛ فلما اطلع على ما قرره الأفضل من ولاية أبي القاسم أحمد مع الأمراء وأنهم قد وافقوه على ترك مبايعة نزار طالعه بجميع ذلك.

وبادر الأفضل فأجلس أبا القاسم ولقب بالمستعلى بالله. وأصبح في بكرة يوم الخميس لاثنتي عشرة بقيت من ذي الحجة فأخرجه إلى الإيوان، وأجلسه على سرير الملك، وجلس هو على دكة الوزارة؛ وحضر قاضي القضاة المؤيد بنصر الإمام علي بن نافع بن الكحال، والشهود، فأخذ البيعة على مقدمي الدولة وأمرائها ورؤسائها وجميع الأعيان؛ ثم مضى إلى عبد الله وإسماعيل ولدي المستنصر، وكانا في مسجد من مساجد القصر وقد وكل بهما الأفضل جماعةً يحفظونهما، فقال لهما: إن البيعة قد تمت لمولانا المستعلى بالله، وهو يقرئكما السلام ويقول لكما تبايعاني أم لا؟ فقالا: السمع والطاعة، إن الله اختاره علينا؛ ووقفا قائمين على أرجلهما وبايعاه؛ وكتب كتاب البيعة وأخرج، فقرأه الشريف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015