ويرد بأن له وجها، لأن كون الأكثر حلالا لا ينافي احتمال الوقوع في الحرام، وإن كان أبعد مما إذا استويا، أو كان الحرام أكثر فوجه التوقف هذا الاحتمال اللائق بالوقوع مراعاته وأنه لا مجزم بالحل، فاتجه أن لا توقفه، وهما، وإن كان المعتمد الحل ولو فيما إذا كان الأكثر حراما.
وفي الجواهر عن الغزالي أيضا: لو بعث السلطان إلى إنسان مالا ليفرقه على المساكين فإن عرف أنه مغصوب من إنسان بعينه، لم يجز له الأخذ إلا ليوصله إلى صاحبه، وإن لم يعرفه جاز أخذه وتفرقته، لكن يكره إن قارنته مفسدة، بحيث يغتر به جهال، ويعتقدون طيب أموال السلاطين، وينبغي أن يتجنب معاملة السلطان وغلمانه وأعوانه وعماله. انتهى.
وما ذكره هنا يجري في أخذه لنفسه أيضا كما هو ظاهر.
وحكى القمولي وغيره عن الغزالي أربعة مذاهب فيما لو لم يدفع السلطان إلى كل المستحقين حقوقهم من بيت المال، وإنما دفع لبعضهم فقط، فهل له أن يستأثر بما دفع إليه، وإن أعدل تلك المذاهب أن له أخذ جميع المدفوع إليه وإن أكثر حيث كان قدر حقه، أو أقل عنهز وقيد العز بن عبد السلام كراهة معاملة من اشتملت يده على حلال وحرام، بما إذا كان ما بيده من جنس الحرام الذي يكتسبه، قال: فإن كان من غير جنسه فلا باس المعاملة، وإن تردد في أنه اشتراه به، وقياسه أنه لا كراهة هنا في الأخذ من مال بيت المال الذي أكثره حرام، إلا إذا كان ما فيه من جنس ذلك الحرام، وإلا فلا كراهة، وإن احتمل أن ناظره استبدله به.
وقال الغزالي: الورع أربعة أقسام لأنه: إما ورع الشهادة وهو الامتناع مما يسقطها، وإما ورع المتدين وهو ترك ما يتطرق إليه احتمال التحريم الذي له موقع وإن أفتى المفتي بحله عملا بالظاهر، ولا أثر للاحتمال البعيد، كمن ترك الاصطياد لاحتمال أن الذي يصطاده قد اصطاده غيره وانفلت منه - فهذا وسواس لا ورع، وأما ورع المتقين وهو ترك ما يخاف انجراره إلى الحرام وإن كان حلالا لا شبهة فيه.