عديدة في مختلف الفنون، وأدرك أفراد منهم درجة شيخ الجماعة في وقته، وهذه الصفة العلمية ظهرت فيهم بالمغرب الأقصى مند القرن التاسع إلى الآن.
ولدت بمدينة فاس عام تسعة عشر وثلاثمائة وألف، وتربيت في حجر الجدّ من قبل الأم العابد بن الشيخ أحمد ابن سودة، والفضل راجع إليه في تربيتي، لأنه-رحمه الله-كان له ولد واحد وتوفي ولم يبق له سوى بنت هي سيدتي الوالدة، فأخذني من أحضانها بعد الفطام وجعلني عوضا عن ولده المتوفّى، فكنت لا أفارقه سفرا وحضرا، فسافرت معه إلى مدينة الجديدة لما ولي القضاء بها عام خمسة وعشرين وثلاثمائة وألف وأنا دون بلوغ. ولما أخر عن القضاء آخر عام ثلاثين وثلاثمائة وألف ورجع إلى فاس أدخلني الكتّاب، ولما أنس مني طلب العلم أمرني بالدخول إلى القرويين في أوائل عام سبعة وثلاثين وثلاثمائة وألف، فأخذت العلم عن بعض الأشياخ الذين مرّ بك ذكرهم. وفي عام أحد وأربعين وثلاثمائة وألف عينت مدرسا بمدرسة اللمطين بفاس، وأخّرت عنها أواخر أربعة وأربعين بعده. وفي عام خمسة وأربعين وثلاثمائة وألف طلبت المشاركة في امتحان التدريس على العادة الجارية في ذلك الوقت فأديت درسا واحدا في النحو في باب الاستثناء ثم صدر أمر بأن الامتحان لا يكون على تلك الحالة فمنعت من إتمامه، ولكن أدرجت في صف العدالة بسماط هذه الحضرة.
ولما أدخل النظام إلى القرويين عام خمسين وثلاثمائة وألف طلبت أداء الامتحان فيه أوائل عام واحد وخمسين وثلاثمائة وألف، فشهد باستقامتي ومقدرتي جلّ أفراد المجلس، ولما ذهب ذلك إلى المراجع العليا وقع في التقرير أني أعدّ من الوطنيين فمنعت أنا وجماعة من الطلبة كانوا معي. ولما عجز سيدنا الجد العابد عن الخطابة بضريح المولى إدريس بن إدريس نبت عنه مدة سنتين، وفي أوائل تسعة وخمسين وثلاثمائة وألف نفّذت إليّ الخطابة به إلى أواخر عام تسعة وستين وثلاثمائة وألف، حيث منعت من العدالة والخطابة لأسباب لا معنى لذكرها، منها أنى امتنعت من الاعتراف لبعض الطغاة الرجعيين بالنسب الشريف الذي ادّعاه في عائلته مع أنه لم يعرف بذلك النسب من قبل. وقد حملني على ذلك ما أعرفه من علم التاريخ والأنساب الذي هو أمانة في عنق أمثالي من أهل هذه الشأن (وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم) فقد قامت بعد ذلك فتن وأهوال وقتل خطباء وأئمة لو بقيت لكنت من بينهم والأمر لله.
وقبل ذلك كنت عينت للبحث عن الخروم بخزانة القرويين أوائل عام اثنين وسبعين وثلاثمائة وألف وبقيت في ذلك إلى تمامه، وكانت النتيجة حسنة. ولما عزلت عن جميع الوظائف لزمت بيتى. وفي هذه الحالة التي مازلت متصفا بها كتبت عدة تآليف وأخرجت بعضها من مسودتها لأني والحمد لله منذ صغري ألهمت التأليف وخصوصا في تاريخ المغرب، ولا بأس أن أذكر أسماءها مرتبة بحسب زمن كتابتها حسب الإمكان: