السدوسي، في قول غيره –لما بلغه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم قام في الأزد.
فقال: يا معشر الأزد! إن من سعادة القوم أن يتعظوا بغيرهم، ومن شقائهم أن لا يتعظوا إلا بأنفسهم، وإنه من لم تنفعه التجارب ضرته، ومن لم يسعه الحق لم يسعه الباطل، وإنما تسلمون اليوم بما أسلمتم به أمس، وقد علمتم أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد تناول قوماً أبعد منكم فظفر بهم، وأنه أوعد قوماً أكثر منكم فأخافهم ولم يمنعه منكم عدةً ولا عدد، وكل بلاء منسي إلا ما بقي أثره في الناس، ولا ينبغي لأهل البلاء أن يكونوا أذكر من أهل العافية للعافية، وإنما كف نبي الله صلى الله عليه وسلم عنكم ما كفكم عنه، فلم تزالوا خارجين مما فيه أهل البلاء، داخلين فيما فيه أهل العافية، حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبكم ونقيبكم، فعبر الخطيب عن الشاهد، ونقب النقيب عن الغائب، ولست أدري لعله تكون للناس جولة، فإن تكن فالسلامة منها الأناة، والله يحبها فأحبوها، فأجابه القوم وسمعوا قوله، فقال في ذلك:
جلت مصيبتك الغداة سواد ... وأرى المصيبة بعدها تزداد
أبقى لنا فقد النبي محمدٍ ... صلى الإله عليه ما يعتاد
حزناً لعمرك في الفؤاد مخامراً ... أو هل لمن فقد النبي فؤاد
كنا نحل به جناباً ممرعاً ... جف الجناب فأجدب الوراد
فبكت عليه أرضنا وسماؤنا ... وتصدعت وجداً به الأكباد
قل المتاع به فكان عيانه ... حلماً تضمن سكرتيه رقاد
كان العيان هو الطريف وحزنه ... باقٍ لعمرك في الفؤاد تلاد
إن النبي وفاته كحياته ... الحق حق والجهاد جهاد
لو قيل تفدون النبي محمداً ... بذلت له الأموال والأولاد
وتسارعت فيه النفوس ببذلها ... هذا له الأغياب والأشهاد
هذا وهذا لا يرد نبينا ... لو كان يفديه فداه سواد
إني أحاذر والحوادث جمعة ... أمراً لعاصف ريحه إرعاد
إن حل منه ما يخاف فأنتم ... للأرض إن رجفت بنا أطواد
لو زاد قوم فوق منية صاحب ... زدتم وليس لمنية مزداد