منك. فإذا هو بدابة خبيثة الريح يشبه اللَّوْنَ، فِي مَرَاغَةٍ خَبِيثَةٍ، فَرَأَيْتُهُ مُمْسِكًا بِأَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ، قَالَ: يَقُولُ ذَلِكَ الرَّجُلُ وَهُوَ آخِذٌ بِأَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ مِنْ خَبَثِ رِيحِهِ، أَيْ رَبِّ لَيْسَ هَذَا أَبِي، فَأُخِذَ أَبُوهُ فَأُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَحَرَّمَ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ، فَلَمَّا خَلَصَ مَنَ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُصَ، تَفَقَّدَ النَّاسُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، فَقَالُوا: رَبَّنَا إِنَّ رِجَالًا كَانُوا يُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَنَا أَيْنَ هُمْ؟ فَقِيلَ لَهُمُ: ادْخُلُوا فَمَنْ عَرَفْتُمْ فَأَخْرِجُوهُ، فَوَجَدُوا الْمَحَاجِنَ الَّتِي عَلَى الصِّرَاطِ قَدْ أَمْسَكَتْ رِجَالًا قَدْ أَكَلَتْهُمُ النَّارُ إِلَّا صُورَةَ أَحَدِهِمْ يُعْرَفُ بِهَا، فَالْتَبَسُوا فَأُلْقُوا عَلَى الْجَنَّةِ قَالُوا: رَبَّنَا نَحْنُ الْآنَ فِي مَسْأَلَتِنَا أَشَدُّ رَغْبَةً، أَرَأَيْتَ رِجَالًا كَانُوا يُصَلُّونَ وَيَصُومُونَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَنَا أَيْنَ هُمْ؟ قِيلَ لَهُمْ: ادْخُلُوا فَمَنْ عَرَفْتُمْ فَأَخْرِجُوهُ ونضجت حَتَّى بَرِدَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَدَخَلُوا وَوَجَدُوا الَّذِينَ تَخْطَفُهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَمِينًا وَشِمَالًا قَدْ أَكَلَتْهُمُ النَّارُ إِلَّا صُورَةَ أَحَدِهِمْ يُعْرَفُ بِهَا، فَأَلْبَسُوهُمْ فَأَخْرَجُوهُمْ فَأَلْقَوْهُمْ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ.
قَالَ: وَحَدَّثَنِي أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ: ألا كل نبي قد أعطي عطية وتنجزها، وإني أختبأت عَطِيَّتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَوُضِعَتِ الْمَوَازِينُ وَأُذِنَ فِي الشَّفَاعَةِ، فَأُعْطِيَ كُلُّ مَلِكٍ أَوْ نَبِيٌّ أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيدٌ شَفَاعَتَهُ حَتَّى يَرْضَى، فَقَالَ لَهُمْ رَبُّهُمْ: أَقَدْ رَضِيتُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ قَدْ رَضِينَا رَبَّنَا. قَالَ: أَنَا أَرْحَمُ بِخَلْقِي مِنْكُمْ، أَخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ فِي قلبه وزن خردل مِنْ إِيمَانٍ، فَأُخْرِجَ مِنْ ذَلِكَ شَيء لَا يَعْلَمُ بِعَدَدِهِ إِلَّا اللَّهُ، فَأُلْقُوا عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ فَأُرْسِلَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ، فَيَنْبُتُوا فيها نبات الثعارير وَأُدْخِلَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ الْجَنَّةَ كُلُّهُمْ إلا رجل واحد، وأغلق باب الجنة دونه ووجه تِلْقَاءَ النَّارِ، فَقَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ: يَا رَبِّ لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ، بَلِ اصْرِفْ وَجْهِيَ عَنِ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ. فَقِيلَ لَهُ: لَعَلَّكَ تَسْأَلُ غَيْرَ هَذَا؟ فَقَالَ: لَا. فَصُرِفَ وَجْهُهُ عَنِ النَّارِ إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ قَرِّبْنِي مِنْ هَذَا الْبَابِ أَلْزَقُ بِهِ وَأَكُونُ فِي ظِلِّهِ. فَقِيلَ لَهُ: أَلَمْ تَزْعُمْ أَنَّكَ لا تسأل شيئًا إلا يُصْرَفَ وَجْهُكَ عَنِ النَّارِ؟ قَالَ: يَا رَبِّ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَ هَذَا. فَقُرِّبَ إِلَى الْبَابِ فلزق به، فكان في ظله فَفُرِجَ مِنَ الْبَابِ فُرْجَةً إِلَى الْجَنَّةِ. فَحَدَّثَنِي أَنَّ فِيهَا: شَرَاطٌ أَبْيَضُ فِي أَدْنَاهُ شَجَرَةٌ وَفِي أَوْسَطِهِ شَجَرَةٌ وَفِي أَقْصَاهُ شَجَرَةٌ، فَقَالَ: يَا رَبِّ أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَأَكُونُ فِي ظِلِّهَا. فَقِيلَ لَهُ: أَلَمْ تَزْعُمُ أَنَّكَ لست تسأل شَيْئًا؟ قَالَ: يَا رَبِّ أَسْأَلُكَ هَذَا ثُمَّ لا أسألك غيره. قال: ففتح له الباب فدخل فلما أتى الشجرة فإذا الوسطى أحسن من التي هو تحتها، فقال: قَرِّبْنِي إِلَى تِلْكَ الشَّجَرَةِ. فَكَانَتْ تِلْكَ مَسْأَلَتُهُ حَتَّى صَارَ إِلَى الْوُسْطَى، وَإِلَى الْقُصْوَى، فَلَمَّا أتى القصيا، أرسل الله رسولين فَقَالَا لَهُ: سَلْ رَبَّكَ. فَقَالَ: فَمَا أَسْأَلُهُ سِوَى مَا أَنَا فِيهِ. فَقَالَا: نَعَمْ سَلْ ربك.