الناس حتى خلص إليهم الجهد، ومعي ابْنٌ لِي وَاللَّهِ مَا يَنَامُ لَيْلَهً وَمَا أجد في ثدي شيئًا أعلله به إلا أنا نرجو الغيث وَكَانَتْ لَنَا غَنَمٌ فَنَحْنُ نَرْجُوهَا، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ فَمَا بَقِيَ مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا عُرِضَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فكرهناه، فقلنا: إنه يتيم وإنما تكرم الظِّئْرُ وَيُحْسِنُ إِلَيْهَا الْوَالِدُ، فَقُلْنَا: مَا عَسَى أن تصنع بِنَا أُمُّهُ أَوْ عَمُّهُ أَوْ جَدُّهُ؟ فَكُلُّ صواحبي أخذن رَضِيعًا وَمَا أَجِدُ شَيْئًا، فَلَّمَا لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ رَجَعْتُ إِلَيْهِ فَأَخَذْتُهُ، وَاللَّهِ مَا أَخَذْتُهُ إِلَّا أَنِّي لَمْ أَجِدْ غَيْرَهُ فَقُلْتُ لِصَاحِبِي: وَاللَّهِ لَآخُذَنَّ هَذَا الْيَتِيمَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَنْفَعَنَا بِهِ وَلَا أَرْجِعُ مِنْ بَيْنِ صَوَاحِبِي (وَلَا أَجِدُ) شَيْئًا. فَقَالَ: فَقَدْ أَصَبْتِ. قَالَتْ: فَأَخَذْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ الرَّحْلَ، فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ أَتَيْتُ به الرحل فأمسيت أقبل ثدياي باللبن كما أَرْوَيْتُهُ، وَأَرْوَيْتُ أَخَاهُ فَقَامَ أَبُوهُ إِلَى شَارِفِنَا تِلْكَ يَلْتَمِسُهَا، فَإِذَا هِيَ حَافِلٌ فَحَلَبَهَا فَأَرْوَانِي وَرُوِيَ، فَقَالَ: يَا حَلِيمَةُ، تَعْلَمِينَ وَاللَّهِ لَقَدْ أصبنا، نَسَمَةً مُبَارَكَةً، وَلَقَدْ أَعْطَى اللَّهُ عَلَيْهَا مَا لم نتمن. قالت: فَبِتْنَا بِخَيْرِ، لَيْلَةٍ شِبَاعًا، وَكُنَا لَا نَنَامُ ليلنا مع صبيتنا، ثم اغتدينا رَاجِعِينَ إِلَى بِلَادِنَا أَنَا وَصَوَاحِبِي، فَرَكِبْتُ أَتَانِيَ القمراء، فَحَمَلْتُهُ مَعِي، فَوَالَّذِي نَفْسُ حَلِيمَةَ بِيَدِهِ لَقَطَعْتُ بِالرَّكْبِ حَتَّى إِنَّ النِّسْوَةَ لَيَقُلْنَ: أَمْسِكِي عَلَيْنَا، أهذه أتانك التي خرجت عَلَيْهَا؟! فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالُوا: إِنَّهَا كَانَتْ أُدْمَتْ حِينَ أَقْبَلْنَا فَمَا شَأْنُهَا؟! قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَقَدْ حَمَلْتُ عَلَيْهَا غُلَامًا مُبَارَكًا. قَالَتْ: فَخَرَجْنَا فَمَا زَالَ يَزِيدُنَا اللَّهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ خَيْرًا، حَتَّى قَدِمْنَا وَالْبِلَادُ سَنَةً، فَلَقَدْ كَانَ رُعَاتُنَا يَسْرَحُوُنَ، ثُمَّ يُرِيحُونَ، فَتَرُوحُ أَغْنَامُ بَنِي سَعْدٍ جِيَاعًا، وَتَرُوحُ غَنَمِي شِبَاعًا بِطَانًا حُفْلًا فَنَحْلِبُ وَنَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: مَا شَأْنُ غَنَمِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى وَغَنَمِ حَلِيمَةَ، تَرُوحُ شِبَاعًا حُفْلًا، وَتَرُوحُ غَنَمُكُمْ جِيَاعًا؟! وَيْلَكُمُ اسْرَحُوا حَيْثُ تَسْرَحُ رِعَاؤُهُمْ. فَيَسْرَحُونَ مَعَهُمْ، فَمَا تَرُوحُ إِلَّا جِيَاعًا كَمَا كَانَتْ، وَتَرْجِعُ غَنَمِي كَمَا كَانَتْ. قالت: وكان يشب شبابًا ما يشبه أحد من الغلمان، يشب في اليوم شباب الغلام في الشهر، ويشب في الشهر شباب السنة، فلما استكمل سنتين أقدمنا مَكَّةَ أَنَا وَأَبُوهُ فَقُلْنَا: وَاللَّهِ لَا نُفَارِقُهُ أَبَدًا وَنَحْنُ نَسْتَطِيعُ. فَلَمَّا أَتَيْنَا أُمَّهُ قُلْنَا: أي ظئر، واللهم مَا رَأَينَا صَبِيًا قَطٌ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهُ، وأنا أتخوف عليه وباء مكة وأسقامها، فدعيه نرجع به حتى تبرئي من دائك، فلما نَزَلْ بِهَا حَتَّى أَذِنَتْ، فَرَجَعْنَا بِهِ فَأَقَمْنَا أَشْهُرًا ثَلَاثَةً أَوْ أَرْبَعَةً، فَبَيْنَا هُوَ يَلْعَبُ خَلْفَ الْبُيُوتِ هُوَ وَأَخُوهُ فِي بُهْمٍ لَهُ " إذ أتى أخوه يشتد، وأنا وأبوه في البيت، فَقَالَ: إِنَّ أَخِيَ الْقُرَشِيَّ