حاله: كان جوادا كريما شفيقا حليما، وكل ما صدر من الشدة والقساوة وقتل الأنفس في دولته فبإلزام من العبيد وإكراه له على فعله، وقد كان قيد حياة أبيه ساعيا فيما يرضي ظاهره، استخلفه والده بقطر تادلا وغيره حسبما أوضحنا ذلك في "المنزع اللطيف" ولم يسمع عنه ما يريب مدة تقلباته في أطوار الخلافة على والده، وسيره مبسوطة بوافر العطاء الشامل للقاصي والداني.
ولما نقل الله والده إليه -وذلك يوم السبت ثامن عشرين رجب عام تسعة وثلاثين ومائة وألف- اجتمع رأْي قواد العبيد ذوي الشوكة وأبطال الودايا ورؤسائها ثم العلماء والأشراف والوزراء والكتاب وصدور الدولة على بيعة المترجم فبايعوه بإلزام لهم من العبيد وزرعوا بيعته بذر الفوضي والعتو، وأوقدوا نيران الفتن.
وحملهم على اختيار المترجم دون باقي إخوته ما عرف به من الجود والبذل الواسع، حتى إِن الأسير الإنجليزى البحرى "تومابلودام" حكى في رحلته المطبوعة باللغة الإنجليزية أن العسكر فرحوا بتوليته لكونه كان يسدل لهم جم العطاء، ولم يكن والده عهد إليه كما زعم الزياني، فقد ذكر صاحب "الجيش" أن السلطان العادل مولانا سليمان كان يحكي لهم مرارًا أن مولانا إسماعيل لما أيقن بالموت دعا رفيقه وعالم حضرته أبا العباس اليحمدي وأكد عليه في أن يشير عليه بمن يصلح للولاية على المسلمين من بعده، وكان آخر الأمر بعد الممانعة التامة قوله: يا مولانا، اعلم أنه ليس لك ولد، أوْلا ولد لك. فقال له السلطان صدقت والله، وودعه وخرج ولم يعهد لأحد، قال: وكان مولانا سليمان يحكي ذلك في شأن بعض أولاده، وأما قول الزياني: إن مولاي أحمد ولي العهد فليس كذلك، ومن العجب أنه قال إنه سمع هذه الحكاية من مولانا سليمان كما سمعناها منه ولا بعد فيه ثم يقول: إِنه ولي العهد، مع أن مولاي أحمد رحمه الله قيل إِنه كان لا ينفع نفسه لعدم صحوه فهو طافح دائما. انتهى.
ولم يعرج على العهد له في "درة السلوك وريحانة العلماء والملوك" مؤلفه