ولعل الشعر السوداني؟ في هذا المجال - أكثر من سائر الشعر الحديث، اتصالا بهذا التراث، ومن ثم، تفردا في اللون الإقليمي، وخاصة في شعر محمد مهدي المجذوب (في ديوانه الشرافة (?) والهجرة) وفي شعر صلاح أحمد إبراهيم، وإذا كان هذا الشعر يبدو غريبا حين يتجاوز حدود إقليمه، فليس هذا هو ذنب الشعر، وإنما هو جريرة الكسل العقلي، عند من يريدون أن يتناولوا الأمور من أسهل الطرق. تأمل قصيدة صلاح " فكر معي ملوال " (?) رمز لابن السودان الجنوبي، حيث يحاول صلاح أن يقلع من نفس هذا الجنوبي الخوف من أخيه ابن السودان الشمالي، إنها من أصدق الشعر الحديث وأبلغه، وأشده التحاما بالواقع، وأكثره استفادة من الإيقاع الممتد في النفس الشعري، ومع ذلك فإن الحجاب بينها وبين القارئ أنها حافلة بالتراث الإقليمي السوداني، وهو تراث؟ في هذا المقام - ضروري، لأنه يجب أن يمثل الرابطة بين الأخوين في الشمال والجنوب، واكتفي بإيراد فاتحتها:
ملوال ها أنا الحس سنة القلم
العق ذرة التراب
أضرب فخذي بيدي، أقسم بالقبور، بالكتاب
لأن هذه الفاتحة التي تتحدث عن " لحس سنة القلم " ولعق التراب، وضرب الفخذ، والحلف بالقبور وبالقرآن، إنما تمثل تراثا شعبيا سودانيا، يتعلق بألوان القسم، فهذا