وأول ما يصادفنا في هذا العصر -عصر التدوين- كتاب "مجاز القرآن" لأبي عبيدة معمر بن المثنى رحمه الله تعالى المتوفى سنة 210، وينبغي أن أذكر هنا ما ذكره ابن تيمية رحمه الله تعالى عن المراد بالمجاز هنا حيث قال: "أول من عرف أنه تكلم بلفظ المجاز أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه ولكن لم يُعنَ بالمجاز ما هو قسيم الحقيقة وإنما عنى بمجاز الآية ما يعبر به عن الآية"1، وذلك أنه حين يتعرض للنصوص القرآنية يشير إلى ما تدل عليه من حقيقة أو مثل أو تشبيه أو كناية وما يتضمن من ذكر أو حذف أو تقديم أو تأخير فوضع بذلك اللبنة الأولى في صرح الدراسات البلاغية للقرآن الكريم، وقد يكون في ذلك بعض التجوز في التحديد ولكنه منهج مبدئي وله بذلك موضعه من التقدير2.

وجاء من بعده سيل من المؤلفين في هذا المضمار فألف الفراء كتابه "معاني القرآن" ومع أن الفراء هذا يقول: "لو حمل إلي أبو عبيدة لضربته عشرين في كتاب المجاز"3 فإن كتابه المعاني جاء على نفس طريقة أبي عبيدة وإن غلب النحو على نهجه ودراسة الكتابين توحي باتحاد المنحى لدى الرجلين في البدء بتفسير الآيات حسب ترتيبها في المصحف واتَّبعه في إيراد المسائل البيانية من كناية وتشبيه ومثل واستعارة ومجاز4، واتبعه كظله في تذييل تفسيره بذكر الحديث والأمثلة الشعرية والنثرية لبيان المعنى وتوضيحه ولا يفوته أحيانا أن يورد بعض المأثور عن الصحابة والتابعين5.

وجاء من بعدهم الجاحظ "ت225" فألف كتابه "نظم القرآن" وهو كتاب مفقود لكن كتب الجاحظ نفسه والدارسين من بعده لا تخلو من الإشارة إليه وبيان غرضه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015