مدة ذكرها -اختلفت الرواية في مبلغها- ثم يموت، فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه" 1.
ومعنى هذا أن الطبري يقول بأن عيسى -عليه السلام- لم يمت ولم يُقتل ولم يُصلب؛ وإنما قبضه الله إليه حيًّا، ورفعه إليه كذلك، وقد تواترت الأخبار بنزوله بعد هذا إلى الأرض ... إلخ.
فهو يستند في تفسيره -رحمه الله تعالى- لهذه الآية إلى القرآن الكريم، وإلى السنة المتواترة، وإلى دلالة اللغة العربية ومفهومها، ولا يميل في تفسيره إلى هوى في نفسه أو مداهنة لغيره، وقال بهذا التفسير علماء السلف كلهم واتفقوا عليه، واستدلوا بالأدلة والحجج القوية والبراهين الساطعة، ولم يقل أحد منهم: إن عيسى رفع ميتًا، حتى الذين فسروا الوفاة بالموت فإنهم ذكروا أنه مات ثلاث ساعات -وقيل في رواية أخرى: سبع ساعات- ثم أحياه الله، وفي مثل هذا القول ضعف2.
واستند السلف في تفسيرهم هذا إلى ما يدل عليه القرآن الكريم والسنة المتواترة.
فمن القرآن قوله تعالى عن بني إسرائيل: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} 3.
فأخبر الله سبحانه وتعالى أنهم ما قتلوه وما صلبوه، وأخبر بأنه سبحانه رَفَعَ عيسى -عليه السلام- إليه.
ومما لا شك فيه أن هدف بني إسرائيل هو "وفاة" عيسى -عليه السلام- وهذا متحقق بقتلهم وصلبهم له أو موته، ولا فائدة في نفي القتل والصلب وحصول الموت؛ فتعين انتفاء الثلاثة: القتل والصلب والموت، وإثبات رفعه عليه الصلاة والسلام إلى الله سبحانه وتعالى.