فالوضَّاعُون لا نعفيهم من الجرح وإنْ أطلق عليهم لفظ الصحابة، لأنَّ في إعفائهم خيانة لله عز وجل ولرسوله ولعباده ... وعلى هذا فقد اتَّفقنا في النتيجة وإنْ قضى الالتواء في المقدمات شيئاً من الخلاف، فإنَّ الجمهور إنما يعفون أبا هريرة، وسَمُرَةَ بن جُندب، والمغيرة، ومعاوية وابن العاص، ومروان، وأمثالهم تقديساُ لرسول الله لكونهم في زُمرة من صُحبه صلى الله عليه وآله ونحن إنما ننتقدهم تقديساً لرسول الله ولسُنَّتِهِ صلى الله عليه وآله شأن الأحرار في عقولهم مِمَّنْ فهم الحقيقة من التقديس والتعظيم». [صفحة: د].
إنَّ بحثه هذا عن أبي هريرة سيُبَيِّنُ مقدار محافظته ودفاعه عن السُنَّة، فالدفاع عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وتقديس رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لا يكون في طعن أصحابه وتكذيبهم، والافتراء عليهم، والاستهزاء بهم، وهو القائل: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي» و «احْفَظُونِي فِي أَصْحَابِي» ثم إنه بعد ذلك يُبيِّنُ أنَّ كتابه هذا وضعه مخلصاً للحق، ولا يريد من أحد أنْ يقبض وجهه [صفحة: هـ] ثم يقول: «لا نقصد بهذا الكتاب - شهد الله - أنْ نصدع هذه الوحدة المتواكبة المتراكمة في هذه اللحظة المستيقظة، بل نقصد تعزيز هذه الوحدة وإقامتها على حرية الرأي والمعتقد، لتكون الوحدة على هذا الضوء للغاية وأدلَّ على القصد.
شهد الله أنَّ كتابه معول هدَّامٌ في بناء الوحدة، وعامل لتفريق كلمتها، وتشتيت شملها، وأنَّ حرية الرأي والمعتقد التين يراهما، إنما هما الفوضوية والعصبية والهوى بعينه، تحت أسماء مغرية برَّاقة، فهل الحرية والذوق الفني والكرامة العقلية خاصة بفئة معيَّنة، وخاضعة لمقاييس شخصية تتبدَّلُ حسب الميول والأهواء؟ أم أنَّ الكرامة العقلية والتفكير العلمي مجرَّد الدفاع عن مبدأ مهما كان نصيبه من الصواب والخطأ؟؟ لا أظن أحداً أنْ يوافق على مثل هذا، فالتفكير العلميُّ والذوق الفنيُّ يكونان على أسس ثابتة لا تتأثر بنزعة أو هوى، أسس عامة شاملة لا تنظر النظرة الخاصة الضيِّقة، أسس مبنيَّة على منهج علميٍّ سليم.