ويأبون العار ولو أدى بأعزِّ ما لديهم إلى الردى، ولهذا وَأَدُوا بناتهم خشية الفقر والزلل. ويحبون الأمجاد والبطولات فتغنَّوا بها ولكنهم ضلوا الطريق، وحرموا العقيدة الموصلة إلى ذلك، ترى العفة والكرامة من أخلاقهم، والكرم والشجاعة من سجاياهم، والحمية والثأر تسير في عروقهم، رضعوا هذا مع لبنهم، وفطروا ونشأوا عليه، فهم لا ينامون على ضيم، ولا يرضون ذلاًَّ أو هواناً، وويل لمن غضب عليه العرب، إذ كانوا يثورون لأتفه الأسباب، يكفي أنْ يستفز القبيلة فرد أهينت كرامته، فتنطلق جميعها كباراً وصغاراً تدفع عنه ما أصابه، لأنَّ كرامة الفرد من كرامة القبيلة، وإلى هذا يمكننا أنْ نردَّ أكثر الغزوات والغارات التي كانت بين القبائل قبل الإسلام.
وقد حفظت ذاكرتهم القوية أشعارهم وأنسابهم التي كانت بمثابة سجل تاريخي لهم، وكان كل ذلك من المؤهِّلات التي أعدَّتهم لحمل الرسالة الإسلامية فيما بعد.
وإذا كان العرب قد عبدوا الأوثان آنذاك، فإنهم لم يعبدوها على أنها هي الخالقة المدبرة لأمور الكون وشؤونه، بل رأوا فيها التقرب إلى الله:
{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (?)
ولم تكن عقائدهم معقَّدة مركبة، كما كانت عليه عقائد سكان البلاد المجاورة من الفرس والهند والروم، بل كانوا أصفياء النفوس، ويمكننا أنْ نقول: إنَّ عندهم فراغاً عقدياً - إذا صح هذا التعبير - تستره تلك العبادات والمعتقدات الأولية، التي لم تقف على قدميها أمام عقيدة الإسلام المتماسكة الكاملة، ولهذا كان العرب يمتازون عن غيرهم من الأمم بتلك الصفات التي أهلتهم فيما بعد لأنْ يكونوا رجال الإسلام، وحملة لوائه إلى العالم.
ومع هذا لم يكن من السهل أنْ يستجيب العرب جميعاً إلى دعوة الرسول الكريم بادئ ذي بدء، إذ كان من الصعب أنْ يتركوا دين