مِنْ أَنْ أُحْيِيَ لَيْلَةً أُصَلِّيهَا حَتَّى أُصْبِحَ، وَالْفَقِيهُ أَشَدُّ عَلَى الشَّيْطَانِ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ، وَلِكُلِّ شَيْءٍ دِعَامَةٌ، وَدِعَامَةُ الدِّينِ الْفِقْهُ» (?).

وكان أبو هريرة يدعو الناس إلى طلب العلم بالحكمة والموعظة الحسنة، ويُضْفِي إلى ذلك شيئاً من مرحة فتقبله النفوس، وتطمئنُّ له القلوب. من هذا ما رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ مَرَّ بِسُوقِ الْمَدِينَةِ - (وقد هاله انشغال الناس في الدنيا) - فَوَقَفَ عَلَيْهَا، فَقَالَ: «يَا [أَهْلَ السُّوقِ]، مَا أَعْجَزَكُمْ»!!.

قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: «ذَاكَ مِيرَاثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقْسَمُ، وَأَنْتُمْ هَاهُنَا لاَ تَذْهَبُونَ فَتَأَخُذُونَ نَصِيبَكُمْ مِنْهُ؟».

قَالُوا: وَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: «فِي الْمَسْجِدِ» فَخَرَجُوا سِرَاعًا [إِلَى الْمَسْجِدِ]، وَوَقَفَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَهُمْ حَتَّى رَجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: «مَا لَكُمْ؟» قَالُوا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَدْ أَتَيْنَا الْمَسْجِدَ، فَدَخَلْنَا، فَلَمْ نَرَ فِيهِ شَيْئًا يُقْسَمُ. فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: «أَمَا رَأَيْتُمْ فِي الْمَسْجِدِ أَحَدًا؟» قَالُوا: بَلَى، رَأَيْنَا قَوْمًا يُصَلُّونَ، وَقَوْمًا يَقْرَأُونَ الْقُرْآنَ، وَقَوْمًا يَتَذَاكَرُونَ الْحَلاَلَ وَالْحَرَامَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ: «وَيْحَكُمْ، فَذَاكَ مِيرَاثُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (?).

وكان أبو هريرة حين يعقد حلقات الحديث، يسمح لبعض طلابه بالكتابة عنه، ويكننا أنْ نعتبر هذه الحلقات التي يكتب فيها طلاب أبي هريرة عنه - مجالس إملاء الحديث، التي كثرت في العصور التالية: وقد ثبت أنه أملى على التابعي الثقة بشير بن نهيك السدوسي البصري بعض حديثه، وقرأ بشير ما كتبه عن أبي هريرة عليه قبل أنْ يفارقه (?).

ويحفظ لنا التاريخ وثيقة تاريخية علمية قيِّمة، لما أملاه أبو هريرة على تلميذه همام بن منبه، المولود سَنَةَ أربعين هجرية، والمتوفَّ سَنَةَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015