بقوة تدفعني إلى مواصلة البحث والتأليف بالرغم من كثرة المشاغل الدنيوية. وقد سألني كثير من الأصدقاء الأعزاء أن أتبع سيرة رسول الله بسير الخلفاء بنفس الطريقة التي انتهجتها فسرتني فكرتهم ولم يسعني إلا إجابة طلبهم واستخرت الله تعالى أن أكتب سيرة أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنه أول الخلفاء الذين أمرنا رسول الله بالاقتداء بهم والاهتداء بهديهم.
لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ارتجت العرب واختلف المسلمون ولا سيما الأنصار والمهاجرون في الخلافة فتدارك الأمر أبو بكر بحكمته وسرعة بديهته وتمت له البيعة بالإجماع. وقد برهن رضي الله عنه أنه أكفأ رجل وأنه رجل الساعة وقتئذ لأن العرب عندما سمعوا بوفاة رسول الله ارتد كثير منهم واستفحل أمر المرتدين في جزيرة العرب، وظهر المتنبئون وجمعوا جيوشهم وثاروا على المسلمين. فمنهم من خرج عن الإسلام، ومنهم من منع الزكاة ووضع الصلاة وأباح المحرمات وطرد كثيراً من الولاة، ولولا شدة تمسك أبي بكر بسنة رسول الله وقوة عزيمته وشجاعته لتغلب المرتدون وقضوا على الإسلام قضاءً مبرماً. ولقد هال أمر المرتدين في بادئ الأمر كبراء الصحابة، ولكن أبا بكر ثبت ولم يتزعزع وظهرت كفايته في إرسال الجيوش واختيار القواد والولاة إلى جميع أنحاء جزيرة العرب، فكبح جماح المرتدين