كلام موزون فلا يخرج بذلك عن أصناف ما يتعارفونه من الخطاب"1
إذن فخطة الباقلاني في المرحلة الثالثة أن ينفي الشعر عن القرآن, ثم ينفي السجع عن القرآن، ثم يذكر الصور البيانية، والعناصر الجمالية التي يمكن أن يقع بها إعجاز القرآن. وهذا ما فعله الباقلاني تدعيما لوجوه الإعجاز وتأييداً لما ذهب إليه من آراء أثناء ردِّه على المزاعم التي قيلت حول القرآن.
وفي الحقيقة لم يكن نفي السجع عن القرآن من بنات أفكاره.. ولكنه ردَّد ما ذكره الرمّاني من أن فواصله تباين السجع مباينة تامة، إذ الفواصل تتبع المعنى، أمّا السجع فيتبعه المعنى، ومن أجل ذلك يتضح فيه التكلّف والثقل2.
بعد أن انتهى الباقلاني من دفاعه عن القرآن، انتقل إلى موضوع آخر وهو: الطريق إلى معرفة الإعجاز.. أو كيفية الوقوف على إعجاز القرآن. وهو كعادته حين يتصدى لموضوع ما يتساءل: هل يمكن أن يعرف إعجاز القرآن من جهة ما يتضمنه من البديع؟
وهنا نلاحظ أنه لا يقصد بالبديع المعنى الاصطلاحي المعروف, إنما يقصد ما جاء في القرآن من ألوان الجمال المعنوي التي تشملها علوم البلاغة.
وهو في هذا الفصل يحدّد الأبواب والفصول التي ذكرها أهل الصنعة، ومن صنّف في هذا المعنى - يقصد الإعجاز القرآني - ثم يبيّن ما عجزوا عن فهمه أو الوصول إلى كنهه، ليكون الكلام – على حد تعبيره - "وارداً على أمرٍ مبين، وباب مصور".
ثم يستعرض العناصر البلاغية التي تناولها القوم، وذكروها بوصفها النوافذ التي يمكن من خلالها أن يطلُّوا على آيات الإعجاز القرآني.. فنراه يتحدث كما تحدث البلاغيون السابقون من أمثال ابن المعتز وأبي هلال العسكري عن الاستعارة، والتشبيه، والإرداف, والمماثلة ويذكر المطابقة والجناس، ويذكر ضرباً يسميه (الموازنة) , وهي مما زاده قدامة بن جعفر3 في كتابه (جواهر الألفاظ) من حسن البلاغة، وقد سمّاها (اعتدال الوزن) .
ويذكر الباقلاني أيضا (المساواة) على أنها ضرب من البديع، مقتديا