حَدَّثَنَا أَبُو شَيْبَةَ , حَدَّثَنَا الْحَسَّانِيُّ , حَدَّثَنَا وَكِيعٌ , قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ , عَنْ ضِرَارِ بْنِ مُرَّةَ , عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ , عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ , قَالَ: «مَنْ أَفْتَى فَتْوَى يُعْمِي فِيهَا فَإِثْمُهَا عَلَيْهِ» . قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: " فَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَحْلِفُ بِاللَّهِ: أَنَّ الَّذِيَ يُفْتِي النَّاسَ فِي كُلِّ مَا يَسْأَلُونَهُ مَجْنُونٌ. وَلَوْ حَلَفَ حَالِفٌ لَبَرَّ أَوْ قَالَ لَصَدَقَ: إِنَّ أَكْثَرَ الْمُفْتِينَ فِي زَمَانِنَا هَذَا مَجَانِينُ , لَأَنَّكَ لَا تَكَادُ تَلْقَى مَسْئُولًا عَنْ مَسْأَلَةٍ مُتَلَعْثِمًا فِي جَوَابِهَا , وَلَا مُتَوَقِّفًا عَنْهَا , وَلَا خَائِفًا لِلَّهِ وَلَا مُرَاقِبًا لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ؟ بَلْ يَخَافُ وَيَجْزَعُ أَنْ يُقَالَ: سُئِلَ فُلَانٌ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ -[67]- فِيهَا جَوَابٌ. يُرِيدُ أَنْ يُوصَفَ بِأَنَّ عِنْدَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا , وَفِي كُلِّ مُتَعَلَّقٍ مُتَهَجَّرًا , يُفْتِي فِيمَا عَيِيَ عَنْهُ أَهْلُ الْفَتْوَى , وَيُعَالِجُ مَا عَجَزَ عَنْ عِلَاجِهِ الْأَطِبَّاءُ , يَخْبِطُ الْعَشْوَةَ , وَيَرْكَبُ السَّهْوَةَ , لَا يُفَكِّرُ فِي عَاقِبَةٍ , وَلَا يَعْرِفُ الْعَافِيَةَ , إِذَا أَكْثَرَ عَلَيْهِ السَّائِلُونَ وَحَاقَتْ بِهِ الْغَاشِيَةُ. وَلَوْ كَانَ لِكُلِّ حَالَفٍ مَخْرَجًا عَنْ يَمِينِهِ , وَلِكُلِّ عَلِيلٍ دَوَاءٌ مِنْ سَقَمِهِ , لَمَا حَنِثَ الْحَالِفُ , وَلَا وَجَبَتْ عَلَى أَحَدٍ كَفَّارَةٌ , وَلَا طُلِّقَتِ امْرَأَةٌ مِنْ زَوْجِهَا , وَلَا مَاتَ عَلِيلٌ إِذَا هُوَ يُعَالَجُ , وَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ كَذَلِكَ؟ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَقُولُ: «الْحَلِفُ حِنْثٌ أَوْ مَنْدَمَةٌ كُلُّ حَالِفٍ حَانِثٌ أَوْ نَادِمٌ» . لَوْ عَاشَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى يُعَايِنُ الْمُفْتِينَ فِي هَذَا الزَّمَانِ لَرَأَى الْأَمْرَ عِنْدَهُمْ بِخِلَافِ ذَلِكَ. وَلَمَا رَأَى مَعَهُمْ حَانِثًا وَلَا نَادِمًا.