حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ , قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ , عَنْ أَخِيهِ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: أَدْرَكْتُ الْفُقَهَاءَ بِالْمَدِينَةِ يَقُولُونَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُنَصِّبَ نَفْسَهُ لِلْفَتْوَى , وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَفْتَى إِلَّا الْمَوْثُوقُ فِي عَفَافِهِ وَعَقْلِهِ وَصَلَاحِهِ وَدِينِهِ وَوَرَعِهِ وَفِقْهِهِ وَحِلْمِهِ وَرِفْقِهِ وَعِلْمِهِ بِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ وَالْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ وَالنَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ , عَالِمًا بِالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ , وَبِمَنْ نَقَلَهَا , وَالْمَعْمُولِ بِهِ مِنْهَا وَالْمَتْرُوكِ , عَالِمًا بِوُجُوهِ الْفِقْهِ الَّتِي فِيهَا الْأَحْكَامُ , عَالِمًا بِاخْتِلَافِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ , فَإِنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ رَأْي لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْأَحَادِيثِ وَالِاخْتِلَافِ. وَلَا صَاحِبُ حَدِيثٍ لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ بِالْفِقْهِ وَالِاخْتِلَافِ وَوُجُوهِ الْكَلَامِ فِيهِ , وَلَيْسَ يَسْتَقِيمُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَّا بِصَاحِبِهِ , قَالُوا: وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ وَالصَّلَاحِ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ إِلَّا أَنَّ طُعْمَتَهُ مِنَ النَّاسِ وَحَاجَاتِهِ مُنَّزَّلَةٌ بِهِمْ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَيْهِمْ , فَلَيْسَ بِمَوْضِعٍ لِلْفَتْوَى , وَلَا مَوْثُوقٍ بِهِ فِي فَتْوَاهُ , وَلَا مَأْمُونٍ عَلَى النَّاسِ فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِمْ " قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ بَطَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " قَدِ اقْتَصَرْتُ يَا أَخِي - صَانَكَ اللَّهُ - مِنْ صِفَةِ الْفَقِيهِ عَلَى مَا أَوْرَدْتُ , وَكَفَفْتُ عَنْ أَضْعَافِ مَا أَرَدْتُ , فَإِنِّي مَا رَأَيْتُ الْإِطَالَةَ بِالرِّوَايَةِ فِي هَذَا الْبَابِ مُتَجَاوِزَةً مَا قَصَدْنَا مِنْ جَوَابِ الْمَسْأَلَةِ. نَعَمْ , أَيْضًا وَتَهْجِينٌ لَنَا , وَسُبَّةٌ عَلَيْنَا , وَغَضَاضَةٌ عَلَى الْمَوسُومِينَ بِالْعِلْمِ وَالْمُتَصَدِّرِينَ لِلْفَتْوَى مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا , مَعَ عَدَمِ الْعَالِمِينَ لِذَلِكَ وَالْعَامِلِينَ بِهِ. فَأُسْأَلُ اللَّهَ أَنْ لَا يَمْقُتَنَا فَإِنَّا نَعُدُّ أَنْفُسَنَا مِنَ الْعُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ الْفُهَمَاءِ الْعَارِفِينَ , وَنَحْسَبُ أَنَّا أَئِمَّةٌ مُتَصَدِّرُونَ عِلْمًا وَفُتْيَا , وَقَادَةُ أَهْلِ زَمَانِنَا , وَلَعَلَّنَا عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الْفَاجِرِينَ وَمِنْ شِرَارِ الْفَاسِقِينَ , فَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: " إِنَّا نَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ أَحْسَبُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْتَحْسِنُهُ وَلَعَلَّهَا تُعْلِنُ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ أَنَّ قَائِلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ. مَنْ شَرُّ النَّاسِ؟ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ غَفْرًا , شَرُّ النَّاسِ الْعُلَمَاءُ إِذَا فَسَدُوا» . وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " يُوشِكُ أَنْ لَا يَبْقَى مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ , وَمِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ , مَسَاجِدُهُمْ يَوْمَئِذٍ عَامِرَةٌ وَهِيَ خَرِبَةٌ مِنَ الْهُدَى , عُلَمَاؤُهُمْ شَرُّ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ , مِنْ عِنْدِهِمْ تَخْرُجُ الْفِتْنَةُ , وَفِيهِمْ تَعُودُ. وَقَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا مَعْشَرَ الْحَوَارِيِّينَ. الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ الدُّنْيَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا بِالْمِلْحِ , وَالطَّعَامُ لَا يَطِيبُ إِلَّا بِهِ , فَإِذَا فَسَدَ الْمِلْحُ فَسَدَ الطَّعَامُ وَذَهَبَتِ الْمَنْفَعَةُ بِهِ. وَكَذَلِكَ الْعُلَمَاءُ مِلْحُ الْأَرْضِ، لَا تَسْتَقِيمُ الْأَرْضُ إِلَّا بِهِمْ , وَإِذَا فَسَدَ الْعُلَمَاءُ فَسَدَتِ الْأَرْضُ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: قَدِمَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْكُوفَةَ , فَلَمَّا رَأَى اجْتِمَاعَهُمْ عَلَيْهِ قَالَ: «أَشَنْتُمُ الْعِلْمَ وَأَذْهَبْتُمْ نُورَهُ. لَوْ أَدْرَكَنِي وَإِيَّاكُمْ عُمَرُ لَأَوْجَعَنَا ضَرْبًا» . هَذَا رَحِمَكُمُ اللَّهُ قَوْلُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِمَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ وَهُوَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ , وَابْنُ عُيَيْنَةَ , وَأَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ , وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ , وَنُظَرَاؤُهُمْ. فَمَا ظَنُّكَ بِقَوْلِهِ لَوْ رَأَى أَهْلَ عَصْرِنَا؟ فَنَسْأَلُ اللَّهَ صَفْحًا جَمِيلًا وَعَفْوًا كَبِيرًا. فَيَا طُوبَى لَنَا إِنْ كَانَتْ مُوجِبَاتُ أَفْعَالِنَا أَنْ نُوجَعَ ضَرْبًا فَإِنِّي أَحْسَبُ كَثِيرًا مِمَّنْ يَتَصَدَّرُ لِهَذَا الشَّأْنِ يَرَى نَفْسَهُ فَوْقَ الَّذِي قَدْ مَضَى وَصْفُهُمْ , وَيَرَى أَنَّهُمْ لَوْ أَدْرَكُوهُ لَاحْتَاجُوا إِلَيْهِ وَأَمَّمُوهُ , وَيَرَى أَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ مِنْهُمْ وَالْأَقْوَالَ الْمَأْثُورَةَ عَنْهُمْ كَانَتْ مِنْ عَجْزِهِمِ وَقِلَّةِ عِلْمِهِمْ وَضَعْفِ نَحَائِزِهِمْ. اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ , فَلَقَدْ عِشْنَا لِشَرِّ زَمَانٍ , فَقَدْ: