أنه عَلَى العرش، لأنه إذا كان بجهة تصح الإشارة إليه فيها ويصح النظر منها وإنما يمتنع عَلَى أصل من نفى كونه بجهة يشار إليه فيها فإن قيل: الكف هاهنا بمعنى القدرة كما قَالَ القائل:
هون عليك فإن الأمور ... بكف الإله مقاديرها
يعني فِي قدرته تقديرها وتدبيرها، فعلى هَذَا يكون اعتراف النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بالعجز وإقراره بعد وضع الكف إنما هو إقرار بقدرة الله تَعَالَى عَلَى ما فعل به من التعطف واللطف حتى عرف ما لم يعرفه، أو يكون المراد بالكف النعمة والمنة والرحمة، ومنه قوله: لي عند فلان يد بيضاء أي نعمة منه كاملة فيكون إخبارا عن نعمة الله وفضله وإقباله عليه بأن شرح صدره ونور قلبه ما لم يعرفه قيل: هَذَا غلط لأنه إن جاز تأويل الكف عَلَى ما قالوه جاز تأويل قول {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} عَلَى ذَلِكَ، ولأن قدرته ونعمته لا تختص الكفين بل هي عامة فِي جميع مقدوراته، وما قاله الشاعر من أن الأمور بكف الإله مقاديرها، لا يشبه هَذَا لأنه قد فسر ما بكفه وهو تقدير الأمور وذلك لا يختص الكف لأنه صفته، وتدبير الأشياء لا يحصل بالصفات وإنما يحصل بالذات فأما هاهنا فإنما أضاف إلى الكف فعلا، كما أضاف إلى اليد فعلا وهو خلق آدم فإن قيل: قوله: " بين كتفي " معناه أوصل إلى قلبه من لطفه ونوره وفوائده، لأن القلب بين الكتفين وهو محل الأنوار العلوم قيل: هَذَا غلط لأن القلب لا يوصف بوضع الكف فيه وإنما يوصف ذَلِكَ بالكتفين فإن قيل: قوله: " فوجدت بردها " يحتمل برد النعمة بمعنى روحها وأثرها من قولهم: عيش بارد إذا كان رغدا فِي رفاهية وسعة.