فإن قِيلَ: يحمل قوله: " يستحي " عَلَى الترك فيكون قوله: " يستحي " بمعنى لا يترك يدي العبد خالية من خير إِذَا رفعها إِلَيْهِ فِي الدعاء، قالوا: وعلى هَذَا يتأول قوله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلا} أي لا يترك، لأَنَّ المستحي يترك للحياء أشياء، كَمَا يترك للإيمان وينقطع بالحياء عَن المعاصي، كَمَا ينقطع بالإيمان عنها، ولهذا قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " الحياء شعبة من الإيمان " وكذلك قوله: " وأما الآخر فاستحيا فاستحيا اللَّه مِنْهُ " فيحتمل أَنْ يَكُونَ معناه: أَنَّهُ يترك أذى القوم بمزاحمتهم فِي مجلسه، فترك اللَّه عقوبته وعفا عَنْهُ، وكذلك قوله: " إن ربكم حيي كريم " أَنَّهُ يترك عقوبة العبد عَلَى خطيئته " قيل: هَذَا غلط لأَنَّهُ يسقط فائدة التخصيص بهذه الصفة، لأَنَّهُ قد يعطى مع وجود هَذِهِ الصفة الَّتِي هِيَ رفع اليدين ومع عدمهما، فوجب حمله عَلَى فائدة، وَلا فائدة إِلا إثبات هَذِهِ الصفة وجواب آخر: وَهُوَ أَنَّهُ لو كان الحياء عبارة عَن الترك لحصل تقدير الخبر: إن اللَّه يترك يده صفرا، وقد قالوا إن معناه أَنَّهُ
لا يترك يده صفرا من العطاء، فعلى هَذَا تحصيل عبارة عَن ضد الترك، فلا تستقيم العبارة والتأويل