الْمَسْجِدِ إِذْ جَاءَنِي قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ وَجَلَسَ إِلَيَّ وَتَحَدَّثَ، وَثَابَ إِلَيْنَا النَّاسُ، فَقَالَ قَتَادَةُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ اسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ وَاسْتَلْقَى، وَوَضَعَ إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى الأُخْرَى، وَقَالَ: إِنَّهَا لا تَصْلُحُ لِبَشَرٍ " أعلم أن هَذَا الخبر يفيد أشياء منها: جواز إطلاق الاستلقاء عليه، لا عَلَى وجه الاستراحة، بل عَلَى صفة لا تعقل معناها، وأن له رجلين كما له يدان، وأنه يضع إحداهما عَلَى الأخرى عَلَى صفة لا نعقلها، إذ ليس فِي حمله عَلَى ظاهره ما يحيل صفاته، لأنا لا نصف ذَلِكَ بصفات المخلوقين بل نطلق ذَلِكَ كما أطلقنا صفة الوجه واليدين وخلق آدم بها، والاستواء عَلَى العرش، وكذلك جاز النظر إليه، لا فِي مكان، وكذلك إثبات الوجه لا عَلَى الصفة التي هي معهودة فِي الشاهد، وكذلك العين فإن قيل: لا يجوز حمل هَذَا الخبر عَلَى ظاهره بل يحمل قوله: " لما فرغ
من خلقه استلقى " بمعنى ترك أن يخلق مثله ويديم ذَلِكَ كما يقال: فلان بنى داره وعمرها فاستلقى عَلَى ظهره بمعنى أنه ترك البناء، ولا يراد أنه اضطجع قيل: قولكم أنه لا يجوز حمله عَلَى ذَلِكَ غلط، لأنا قد بينا أنا لا نحمله عَلَى صفة تستحيل فِي صفاته، بل يجري فِي ذَلِكَ مجرى غيره من الصفات، وأما حمله عَلَى ترك أن يخلق مثله وترك الاستدامة لذلك فغلط أيضا، لأن لذلك اسما هو أخص به من الاستلقاء وهو ترك الخلق وقطع استدامته وجواب آخر: وهو أنه لا يصح حمله عَلَى قطع الاستدامة لأنه مستديم لخلقه ومستديم أيضا إيقاع خلق فِي السموات والأرض بقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا} فأخبر أنه فاعل لإمساكها بعد الفراغ منها