حديث آخر
176 - حدثناه أَبُو القاسم بإسناده، عن عبد الله بن عمرو يبلغ به النبي، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " المقسطون عند الله يوم القيامة عَلَى منابر من نور عن يمين الرحمن، عَزَّ وَجَلَّ،
وكلتا يديه يمين " أعلم أن هَذَا الخبر يتضمن اليدين وإثبات اليمين، وقد تقدم ذكر ذَلِكَ، وبينا أنه ليس فِي إطلاق ذَلِكَ ما يحيل صفاته، لأن إطلاق اليمين كإطلاق اليد فإن قيل: قوله: " عن يمين الرحمن " معناه عن يمين عرش الرحمن عَلَى طريقة العرب فِي الحذف والإضمار، كما قَالَ تَعَالَى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ} معناه حب العجل، وكما قَالَ الشاعر: واستب بعدك يا كليب المجلس يعني أهل المجلس قيل: هَذَا غلط لوجوه أحدها: قوله: " وكلتا يديه يمين " وهذا يدل عَلَى أن ذَلِكَ صفة ترجع إلى ذاته لأن العرش لا يوصف باليدين الثاني: أن اليمين إذا إضيفت إلى الذات اقتضت إضافة صفة، ولهذا إذا قيل: وقف الوزير عَلَى يمين الخليفة إنما يعقل منه يمينه التي هي من صفته الثالث: أن حمله عَلَى ذَلِكَ يقتضي إضمارا فِي الخبر، وهو ذكر العرش والإضمار ترك حقيقة فإن قيل: قوله: " عن يمين الرحمن " المراد به المنزلة الرفيعة والمحل العظيم، لأنهم يقولون: كان فلان عندنا باليمين، أي كان عندنا بالمحل العظيم والمنزلة الرفيعة، قَالَ الشاعر:
أقول لناقتي إذ بلغتني ... لقد أصبحت عندي باليمين