قيض الله تعالى لكتابه المجيد الذي {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} مَن دوَّن وجوه قراءاته، وضبط طرق رواياته، فاجتهدوا في ذلك حق الاجتهاد، وبذلوا النصح في ذلك لله ورسوله والعباد، فأخذوا في جمع ذلك وتدوينه، فاستفرغوا فيه وسعهم، وبذلوا جهدهم، فكان أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب: أبو عبيد "القاسم بن سلام"، وجعلهم خمسة وعشرين قارئا، مع هؤلاء السبعة، توفي سنة أربع وعشرين ومائتين.
ثم تلاه الجمامة، سالكين سنته ومقلدين سنته، فكثرت التآليف وانتشرت التصانيف، واختلفت أغراضهم بحسب الإيجاز والتطويل، والتكثير والتقليل، وكل له مقصد سني، ومذهب مرضي، فكان أول من تابعه "أحمد بن جبير" الكوفي، نزيل أنطاكية، فجمع كتابا في القراءات الخمسة، من كل مصر واحد، ثم القاضي "إسماعيل ابن إسحاق" المالكي، صاحب "قالون"، فألف كتابا جمع فيه قراءة عشرين إماما، منهم هؤلاء السبعة، ثم الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، فألف كتابا سماه "الجامع"، فيه نيف وعشرون قراءة، ثم الإمام "أبو بكر محمد الداجوني" فجمع كتابا في الأحد عشر، وأدخل معهم أبا جعفر، ثم "في أثره" الإمام "أبو بكر أحمد بن العباسي، مجاهد"، أول من اقتصر على هؤلاء السبعة، فإنه أحب أن يجمع المشهور من قراءات الحرمين، والعراقين والشام؛ إذ هذه الأمصار الخمسة هي التي خرج منها علم النبوة، من القرآن وتفسيره، والحديث والفقه، في الأعمال الباطنة والظاهرة وسائر العلوم الدينية.
فلما أراد ذلك جمع قراءات سبعة مشاهير من أئمة قراء هذه الأمصار؛ ليكون ذلك موافقا لعدد الحروف التي أنزل عليها القرآن، لا لاعتقاده، أو اعتقاد غير من العلماء، أن هؤلاء السبعة المعينين هم الذين لا يجوز أن يقرأ بغير قراءاتهم.
وقد ألف الناس في زمانه وبعده في القراءات أنواع التآليف ككتاب "الغاية" لأبي بكر أحمد بن مهران الأصبهاني ثم "المنتهى" في العشر، "لأبي الفضل بن جعفر الخزاعي"، ثم "الإرشاد" "لأبي الطيب عبد المنعم بن غلبون"، ثم "التذكرة" "لأبي الحسن طاهر بن غلبون" الحلبي، نزيل مصر، و"الهادي" "لأبي عبد الله بن سفيان القيرواني" و"المجتي، "لعبد الجبار الطرطوسي" نزيل مصر"، و"الروضة" "لأبي عمر أحمد الطمنكي"، أول من أدخل القراءات الأندلس، و"التبصرة" "لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيرواني"، و"الهداية" "لأبي العباس ابن عمار، المهدوي، و"الروضة" في العشرة المشهورة "وقراءة" "الأعمش"، لأبي علي "الحسن البغدادي" المالكي