هو ولي الله: أبو القاسم بن فيره بن خلف بن أحمد الرهيني الشاطبي1، نسبة إلى شاطبة "قرية بجزيرة الأندلس".
كان -رحمه الله تعالى- إماما في علوم القرآن، ناسخًا لكتاب الله تعالى، متقنًا لأصول العربية، رحلة في الحديث، تُضبَط نُسخ الصحيحين من لفظه، غاية في الذكاء، حاذقا في تعبير الرؤيا، مجيدا في النظم، متواضعًا لله تعالى، قدوة في الصلاح، ذا بصيرة صافية، يلوح منه الكرامات.
كان يعذل أصحابه على أشياء ما اطلع عليها، وسمع الأذان بجامع مصر من غير المؤذنين مرارًا، وكان محفوظ اللسان، يمنع جلساءه من فضول الكلام، لا يجلس للإقراء إلا متطهرا، خاشعًا لله تعالى، له تصانيف حسنة، فمن نظمه قصيدة دالية، في كتاب التمهيد لابن عبد البر، من فهمها أحاط بالكتاب علما.
ومنه:
بكى الناس قبلي، لا كمثل مصائبي ... بدمع مطيع كالسحاب الصوائب
ومنه:
يلومونني إذ ما وجدت سلايما ... وما لي مليم حسن سمت الأكادما
ومنه في ظاءات القرآن العظيم.
ومن نظمه: رائيته في الرسم فائقة، ورائيته في العدد، وواسطة عقد تصانيفه القصيد الذي ساد في الأمصار، وتلقاه بالقبول علماء الأعصار.
أخذ القراءة عن الشيخ الإمام أبي الحسن علي بن هذيل، عن أبي داود سليمان بن أبي القاسم الأموي، عن الإمام أبي عمرو الداني، وعن الشيخ أبي عبد الله محمد بن العاصي النفزي، عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن الحسن، عن أبي الحسن علي بن عبد الرحمن الأنصاري، وعن أبي داود سليمان الأموي على الشيخ أبي عمرو الداني، رحمهم الله تعالى.
ولد آخر سنة ثمانٍ وثلاثين وخمسائة، وتوفي بمصر عصر الأحد آخر جمادى الآخرة سنة تسعين وخمسمائة ودفن بمقبر البيساني. "عرفت الناحية بسارية" بسفح جبل المقطم.
قلت مرثيًا له:
سقت سحب الرضوان طلًا ووابلا ... ثرًى ضم شخص الشاطبي المسدد
إمام فريد بارع متورع ... صبور طهور ذو عفاف مؤيد
ذكا علمه، فاختاره الناس قدوة ... فكم عالم من دره متقلد
هنيئا ولى الله بالخلد ثاويا ... يعيش رغيد في ظلال مؤبد